{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨] ولأنه إذا أخره عرضه للفوات ولحوادث الزمان ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة لأن فريضة الحج نزلت سنة ست فأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشر من غير عذر فلو لم يجز التأخير لما أخره.
فصل: ومن وجب عليه الحج فلم يحج حتى مات نظرت فإن مات قبل أن يتمكن من الأداء سقط فرضه ولم يجب القضاء وقال أبو يحيى البلخي: يجب القضاء وأخرج إليه أبو إسحاق نص الشافعي رحمه الله فرجع عنه والدليل على أنه يسقط أنه هلك ما تعلق به الفرض قبل التمكن من الأداء فسقط الفرض كما لو هلك النصاب قبل أن يتمكن من إخراج الزكاة وإن مات بعد التمكن من الأداء لم يسقط الفرض ويجب قضاؤه من تركته لما روى بريدة قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت ولم تحج قال: حجي عن أمك ولأنه حق تدخله النيابة لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمي ويجب قضاؤه عنه من الميقات لأن الحج يجب من الميقات ويجب من رأس المال لأنه دين واجب فكان من رأس المال كدين الآدمي وإن اجتمع الحج ودين الآدمي والتركة لا تتسع لهما ففيه الأقوال الثلاثة التي ذكرناها في آخر الزكاة.
فصل: وتجوز النيابة في حج الفرض في موضعين: أحدهما في حق الميت إذا مات وعليه حج والدليل عليه حديث بريدة والثاني في حق من لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير معتادة كالزمن والشيخ الكبير والدليل عليه ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم قالت: أينفعه ذلك؟ قال نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه ولأنه أيس من الحج بنفسه فتاب عنه غيره كالميت وفي حج التطوع قولان: أحدهما لا يجوز لأنه غير مضطر إلى الاستنابة فيه فلم تجز الاستنابة فيه كالصحيح والثاني أنه يجوز وهو الصحيح لأن كل عبادة جازت النيابة في فرضها جازت النيابة في نفلها كالصدقة فإن استأجر من يتطوع عنه وقلنا لا يجوز فإن الحج للحاج وهل يستحق الأجرة؟ فيه قولان: أحدهما أنه لا يستحق لأن الحج قد انعقد له فلا يستحق الأجرة كالصرورة والثاني أنه يستحق لأنه لم يحصل له بهذا الحج منفعة لأنه لم يسقط به عنه فرض ولا حصل له به ثواب بخلاف الصرورة فإن هناك قد سقط عنه الفرض فأما الصحيح الذي يقدر على الثبوت على الراحلة فلا يجوز النيابة عنه في الحج لأن الفرض عليه في بدنه فلا ينتقل الفرض إلى غيره إلا في الموضع الذي وردت فيه الرخصة وهو إذا أيس وبقي فيما سواه