ولهذا يقال أهديت له داراً وأهدى لي ثوباً وأن الجميع يسمى قرباناً ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الجمعة:"من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة" فإذا سمي قرباناً وجب أن يسمى هدياً وقال في الجديد: لا يجزئه إلا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والإبل والبقر لأن الهدي المعهود في الشرع ما ذكرناه فحمل مطلق النذر عليه وإن نذر بدنة أو بقرة أو شاة فإن قلنا بالقول الأول أجزأه من ذلك ما يقع عليه الاسم وإن قلنا بالقول الثاني لم يجزه إلا ما يجزئ في الأضحية وإن نذر شاة فأهدى بدنة أجزأه لأن البدنة بسبع من الغنم وهل يجب الجميع؟ فيه وجهان: أحدهما أن الجميع واجب لأنه مخير بين الشاة والبدنة فأيهما فعل كان واجباً كما تقول في العتق والإطعام في كفارة اليمين والثاني أن الواجب هو السبع لأن كل سبع منها بشاة فكان الواجب هو السبع وإن نذر بدنة وهو واجد للبدنة ففيه وجهان: أحدهما أنه مخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم لأن كل واحد من الثلاثة قائم مقام الآخر والثاني أنه لا يجزئه غير البدنة لأنه عينها بالنذر وإن كان عادماً للبدنة انتقل إلى البقر فإن لم يجد بقرة انتقل إلى سبع من الغنم ومن أصحابنا من قال لا يجزئه غير البدنة فإن لم يجد ثبتت في ذمته إلى أن يجد لأنه التزم ذلك بالنذر والمذهب الأول لأنه فرض له بدل فانتقل عند العجز إلى بدله كالوضوء.
فصل: فإن نذر الهدي للحرم لزمه في الحرم وإن نذر لبلد آخر لزمه في البلد الذي سماه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا المكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية قال: لصنم قالت لا قال: لوثن قالت: لا قال: أوفي بنذرك" فإن نذر لأفضل بلد لزمه بمكة لأنها أفضل البلاد والدليل عليه ما روى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته: "أي بلد أعظم حرمة؟ قالوا: بلدنا هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا١" ولأن مسجدها أفضل المساجد فدل على أنها أفضل البلاد وإن أطلق النذر ففيه وجهان: أحدهما يجوز حيث
١ رواه البخاري في كتاب العلم باب ٩، ٣٧. مسلم في كتاب القيامة حديث ٢٩. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٩ باب ١. الدارمي في كتاب المناسك باب ٣٤. أحمد في مسنده "١/٢٣٠".