يقبل قوله لأنه معسر إلا ببينة لأن الأصل بقاء المال فإن قال غريمي يعلم أني معسر أو أن مالي هلك فحلفوه حلف لأن ما يدعيه محتمل فإن أراد أن يقيم البينة على هلاك المال قبل فيه شهادة عدلين فإن أراد أن يقيم البينة على الإعسار لم يقبل إلا بشهادة عدلين من أهل الخبرة والمعرفة بحاله لأن الهلاك يدركه كل أحد والإعسار لا يعلمه إلا من يخبر باطنه فإن أقام البينة على الإعسار وادعى الغريم أن له مالاً باطناً فطلب اليمين عليه ففيه قولان: أحدهما لا يحلف لأنه أقام البينة على ما ادعاه فلا يحلف كما لو ادعى ملكاً وأقام عليه البينة والثاني يحلف لأن المال الباطن يجوز خفاؤه على الشاهدين فجاز عرض اليمين فيه عند الطلب كما لو أقام عليه البينة بالدين وادعى أنه أبرأه منه وإن وجد في يده مال فادعى أنه لغيره نظرت فإن كذبه المقر له بيع في الدين لأن الظاهر أنه له وإن صدقه سلم إليه فإن قال الغريم أحلفوه لي أنه صادق في إقراره ففيه وجهان: أحدهما يحلف لأنه يحتمل أن يكون كاذباً في إقراره والثاني لا يحلف وهو الصحيح لأن اليمين تعرض ليخاف فيرجع عن الإقرار ولو رجع عن الإقرار لم يقبل رجوعه فلا معنى لعرض اليمين.
فصل: وإن ركبته الديون ورفعه الغرماء إلى الحاكم وسألوه أن يحجر عليه نظر الحاكم في ماله فإن كان له مال يفي الديون لم يحجر عليه لأنه لا حاجة به إلى الحجر بل يأمره بقضاء الدين على ما بيناه فإن كان ماله لا يفي بالديون حجر عليه وباع ماله عليه لما روى عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل من أفضل شباب قومه ولم يكن يمسك شيئاً فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين فكلم النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه فلو ترك أحد من أجل أحد لتركوا معاذا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حتى قام معاذ بغير شيئ وروى كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع عليه ماله وإن كان ماله بالديون إلا أنه ظهرت عليه أمارة التفليس بأن زاد خرجه على دخله ففيه وجهان: أحدهما لا يحجر عليه لأنه مليء بالدين فلا يحجر عليه كما لو لم يظهر فيه أمارة الفلس والثاني يحجر عليه لأنه إذا لم يحجر عليه أتى الخرج على ماله فذهب ودخل على الغرماء.