القاضي أبي الطيب أنه يجعل ذلك إقراراً لأن البيع تمليك والتمليك لا يصح إلا ممن يملك.
فصل: وإن أخرج جناحاً إلى طريق لم يخل إما أن يكون نافذاً أو غير نافذ فإن كان الطريق نافذاً نظرت فإن كان الجناح لا يضر بالمارة جاز ولم يعترض عليه واختلفوا في علته فمن أصحابنا من قال يجوز لأنه ارتفاق بما لم يتعين عليه ملك أحد من غير إضرار فجاز كالمشي في الطريق ومنهم من قال يجوز لأن الهواء تابع للقرار فلما ملك الارتفاق بالطريق من غير إضرار ملك الارتفاق بالهواء من غير إضرار فإن وقع الجناح أو نقضه وبادر من يحاذيه فأخرج جناحاً يمنع من إعادة الجناح الأول جاز لأن الأول ثبت له الارتفاق بالسبق إلى إخراج الجناح فإذا زال الجناح جاز لغيره أن يرتفق كما لو قعد في طريق واسع ثم انتقل عنه.
فصل: فإن صالحه الإمام عن الجناح على شيء لم يصح الصلحين لمعنيين: أحدهما أن الهواء تابع للقرار في العقد فلا يفرد بالعقد كالحمل والثاني أن ذلك حق له فلا يجوز أن يؤخذ منه عوض على حقه كالاجتياز في الطريق وإن كان الجناح يضر بالمارة لم يجز وإذا أخرجه وجب نقضه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا إضرار" ولأنه يضر بالمارة في طريقهم فلم يجز كالقعود في المضيق وإن صالحه الإمام من ذلك على شيء لم يجز لمعنيين: أحدهما أن الهواء تابع للقرار فلا يفرد بالعقد والثاني أن ما منع منه الإضرار بالناس لم يجز بعوض كالقعود في المضيق والبناء في الطريق.
فصل: ويرجع فيما يضر وفيما لا يضر إلى حال الطريق فإن كان الطريق لا تمر فيه القوافل ولا تجوز فيه الفوارس لم يجز إخراج الجناح إلا بحيث يمر الماشي تحته منتصباً لأن الضرر يزول بهذا القدر ولا يزول بما دونه وإن كان الطريق تمر فيه القوافل وتجوز فيه الفوارس لم يجز إلا عالياً بمقدار ما تمر العمارية تحته ويمر الراكب منتصباً وقال أبو عبيدة ابن حربويه: لا يجوز حتى يكون عالياً يمر الراكب ورمحه منصوب لأنه ربما ازدحم الفرسان فيحتاج إلى نصب الرماح ومتى لم ينصبوا تأذى الناس بالرماح والأول هو المذهب لأنه يمكنهم أن يضعوا أطرافها على الأكتاف غير منصوبة فلا يتأذوا.
فصل: وإن أخرج جناحاً إلى داره جاره من غير إذنه لم يجز واختلف أصحابنا في تعليله فمنهم من قال لا يجوز لأنه ارتفاق بما تعين مالكه فلم يجز بغير إذنه من غير ضرورة كأكل ماله ومنهم من قال: لا يجوز لأن الهواء تابع للقرار والجار لا يملك