والدليل عليه ما روى "جابر رضي الله عنه قال: توفي رجل منا فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فخطا خطوة ثم قال أعليه دين قلنا ديناران فتحملهما أبو قتادة ثم قال بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران قال: إنما مات بالأمس ثم أعاد عليه بالغد قال: قد قضيتهما قال الآن بردت عليه جلده" ولأنه وثيقة بدين في الذمة فلا يسقط الدين عن الذمة كالرهن ويجوز للمضمون له مطالبة الضامن والمضمون عنه لأن الدين ثابت في ذمتهما فكان له مطالبتهما فإن ضمن عن الضامن ثالث جاز لأنه ضمان دين ثابت فجاز كالضمان الأول وإن ضمن المضمون عنه عن الضامن لم يجز لأنه المضمون عنه أصل والضامن فرع فلا يجوز أن يصير الأصل فرعاً والفرع أصلاً ولأنه يضمن ما في ذمته ولأنه لا فائدة في ضمانه وهو ثابت في ذمته.
فصل: وإن ضمن عن رجل ديناً بغير إذن لم يجز له مطالبة المضمون عنه بتخليصه لأنه لم يدخل فيه بإذنه فلم يلزمه تخليصه وإن ضمن بإذنه نظرت فإن طالبه صاحب الحق جاز له مطالبته بتخليصه لأنه إذا جاز أن يغرمه إذا غرم جاز له أن يطالبه إذا طولب وإن لم يطالب ففيه وجهان: أحدهما له أن يطالبه لأنه شغل ذمته بالدين بإذنه فجاز له المطالبة بتفريغ ذمته كما لو أعاره عيناً ليرهنها فرهنها والثاني ليس له وهو الصحيح لأنه لما لم يغرمه قبل أن يغرم لم يطالبه قبل أن يطالب ويخالف إذا أعاره عيناً ليرهنها فرهنها لأن عليه ضرراً في حبس العين والمنع من التصرف بها ولا ضرر عليه في دين في ذمته لا يطالب به فإن دفع المضمون عنه مالاً إلى الضامن وقال خذ هذا بدلاً عما يجب لك بالقضاء ففيه وجهان: أحدهما يملكه لأن الرجوع يتعلق بسبب الضمان والغرم وقد وجد أحدهما فجاز تقديمه على الآخر كإخراج الزكاة قبل الحول وإخراج الكفارة قبل الحنث فإن قضى عنه الدين استقر ملكه على ما قبض وإن أبرئ من الدين قبل القضاء وجب رد ما أخذ كما يجب رد ما عجل من الزكاة إذا هلك النصاب قبل الحول والثاني لا يملك لأنه أخذه بدلاً عما يجب في الثاني فلا يملكه كما لو دفع إليه شيئاً عن بيع لم يعقده فعلى هذا يجب رده فإن هلك ضمنه لأنه قبضه على وجه البدل فضمنه كالمقبوض بسوء البيع.
فصل: وإن قبض المضمون له الحق من المضمون منه برئ الضمان لأنه وثيقة بحق فانحلت بقبض الحق كالرهن وإن قبضه من الضامن برئ المضمون عنه لأنه استوفى الحق من الوثيقة فبرئ من عليه الدين كما لو قضى الدين من ثمن الرهن وإن أبرئ المضمون عنه برئ الضامن لأن الضامن وثيقة بالدين فإذا أبرئ من عليه الدين انحلت الوثيقة كما ينحل الرهن إذ أبرئ الراهن من الدين وإن أبرئ الضامن لم يبرأ