استهلكه فأخذه ففيه وجهان: بناء على القولين في المحرم إذا خلص طائراً من جارحة وأمسكه ليحفظه: أحدهما لا يضمن لأنه قصد حفظه والثاني يضمن لأنه ثبتت يده عليه من غير ائتمان.
فصل: ولا يصح إلا عند جائز التصرف فإن أودع صبياً أو سفيهاً لم يصح الإيداع لأن القصد من الإيداع الحفظ والصبي والسفيه ليسا من أهل الحفظ فإن أودع واحداً منهما فتلف عنده لم يضمن لأنه لا يلزمه حفظه فلا يضمنه كما لو تركه عند بالغ من غير إيداع فتلف وإن أودعه فأتلفه ففيه وجهان: أحدهما يضمن لأنه لم يسلطه على إتلافه فضمنه بالإتلاف كما لو أدخله دراه فتلف ماله والثاني لا يضمن لأنه مكنه من إتلافه فلم يضمنه كما لو باع منه شيئاً وسلمه إليه فأتلفه.
فصل: وتنعقد الوديعة بما تنعقد به الوكالة من الإيجاب بالقول والقبول بالفعل وتنفسخ كما تنفسخ به الوكالة من العزل والجنون والإغماء والموت كما تنفسخ الوكالة لأنه وكالة في الحفظ فكان كالوكالة في العقد والفسخ.
فصل: والوديعة أمانة في يد المودع فإن تلفت من غير تفريط لم تضمن لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أودع وديعة فلا ضمان عليه١" وروى ذلك أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وجابر رضي الله عنهم وهو إجماع فقهاء الأمصار ولأنه يحفظها للمالك فكانت يده كيده ولأن حفظ الوديعة معروف وإحسان فلو ضمنت من غير عدوان زهد الناس في قبولها فيؤدي إلى قطع المعروف فإن أودعه وشرط عليه الضمان لم يصر مضموناً لأنه أمانه فلا يصير مضموناً بالشرط كالمضمون لا يصير أمانة بالشرط وإن ولدت الوديعة ولداً كان الولد أمانة لأنه يوجد فيه سبب يوجب الضمان لا بنفسه ولا بأمه وهل يجوز إمساكه فيه وجهان: أحدهما لا يجوز بل يجب أن يعلم صاحبه كما لو ألقت الريح ثوباً في داره والثاني لا يجوز لأن إيداع الأم إيداع لما يحدث منها.
فصل: ومن قبل الوديعة نظرت فإن لم يعين المودع الحرز لزمه حفظها في حرز مثلها فإن أخر إحرازها فتلفت لزمه الضمان لأنه ترك الحفظ من غير عذر فضمنها فإن
١ رواه أبو داود في كتاب البيوع باب ٨٨. ابن ماجة في كتاب الصدقات باب ٦.