لأن أمانة الحاكم مقطوع بها وأمانة الأمين غير مقطوع بها فلا يجوز ترك ما يقطع به بما لا يقطع به كما لا يترك النص للاجتهاد فإن لم يكن أمين لزمه أن يسافر بها لأن السفر في هذه الحال أحوط فإن وجد المالك أو الحاكم أو الأمين فسافر ضمن لأن الإيداع يقتضي الحفظ في الحرز وليس السفر من مواضع الحفظ لأنه إما أن يكون مخوفاً أو آمناً لا يوثق بأمنه فلا يجوز مع عدم الضرورة وإن دفنها ثم سافر نظرت فإن كان في موضع لا يد فيه لأحد ضمن لأن ما تتناوله الأيدي معرض للأخذ فإن كان في موضع مسكون فإن لم يعلم بها أحداً ضمن لأنه ربما أدركته المنية في السفر فلا تصل إلى صاحبها فإن أعلم بها من لا يسكن في الموضع ضمن لأن ما في البيت إنما يكون محفوظاً بحافظ فإن أعلم بها من يسكن في الموضع فإن كان غير ثقة ضمن لأنه عرضه للأخذ وإن كان ثقة فهو كما لو استودع ثقة ثم سافر وقد بينا حكم من استودع ثم سافر.
فصل: وإن حضره الموت فهو بمنزلة من حضره السفر لأنه لا يمكنه الحفظ مع الموت بنفسه كما لا يمكنه الحفظ مع السفر وقد بينا حكمه وإن قال في مرضه عندي وديعة ووصفها ولم يوجد ذلك في تركته فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق: لا يضرب المقر له مع الغرماء بقيمتها لأن الوديعة أمانة فلا يضمن بالشك ومن أصحابنا من قال يضرب المقر له بقيمتها مع الغرماء وهو ظاهر النص لأن الأصل وجوب ردها فلا يسقط ذلك بالشك.
فصل: وإن أودع الوديعة غيره من غير ضرورة ضمنها لأن المودع لم يرض بأمانة غيره فإن هلكت عند الثاني جاز لصاحبها أن يضمن الأول لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه وله أن يضمن الثاني لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه فإن ضمن الثاني نظرت فإن كان قد علم بالحال لم يرجع بما ضمنه على الأول لأنه دخل على أنه يضمن فلم يرجع فإن لم يعلم ففيه وجهان: أحدهما أنه يرجع لأنه دخل على أنه أمانة فإذا ضمن رجع على من غره والثاني أنه لا يرجع لأنه هلك في يده فاستقر الضمان عليه فإن ضمن الأول فإن قلنا إن الثاني إذا ضمن يرجع على الأول لم يرجع الأول عليه وإن قلنا إنه لا يرجع رجع الأول عليه فأما إذا استعان بغيره في حملها ووضعها في الحرز أو سقاها أو علفها