ثلاثة أوجه: أحدها وهو قول أبي العباس أنه يضمن كما يضمن اللقطة إذا نوى تملكها والثاني وهو قول القاضي أبي حامد المروروذي أنه إن نوى إخراجها للانتفاع بها لم يضمن وإن نوى أن لا يردها ضمن لأن هذه النية صار ممسكاً لها على نفسه وبالنية الأولى لا يصير ممسكاً على نفسه والثالث وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يضمن لأن الضمان إنما يكون بفعل يوقع في العين وذلك لم يوجد.
فصل: وإن أخذت الوديعة منه قهراً لم يضمن لأنه غير مفرط في ذلك وإن أكره حتى سلمها ففيه وجهان بناء على القولين فيمن أكره حتى أكل في الصوم: أحدهما أنه يضمن لأنه فوت الوديعة على صاحبها لدفع الضرر عن نفسه فأشبه إذا أنفقها على نفسه لخوف التلف من الجوع والثاني أنه لا يضمن لأنه مكره فأشبه إذا أخذت بغير فعل من جهته.
فصل: وإن طالبه المودع برد الوديعة فأخر من غير عرف ضمن لأنه مفرط فإن أخرها لعذر لم يضمن لأنه غير مفرط.
فصل: وإن تعدى في الوديعة فضمنها ثم ترك التعدي في الوديعة لم يبرأ من الضمان لأنه ضمن العين بالعدوان فلم يبرأ بالرد إلى المكان كما لو غصب من داره شيئاً ثم رده إلى الدار فإن قال المودع أبراتك من الضمان أو أذنت لك في حفظها ففيه وجهان: أحدهما يبرأ من الضمان وهو ظاهر النص لأن الضمان يجب لحقه فسقط بإسقاطه والثاني أنه لا يبرأ حتى يردها إليه لأن الإبراء إنما يكون عن حق في الذمة ولا حق له في الذمة فلم يصح الإبراء.
فصل: إذا اختلف المودع والمودع فقال أودعتك وديعة وأنكرها المودع فالقول قوله لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لوأن الناس أعطوا بدعاويهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه والبينة على من أنكر" ولأن الأصل أنه لم يودعه فكان القول قوله.
فصل: وإن ادعى أنها تلفت نظرت فإن ادعى التلف بسبب ظاهر كالنهب والحريق فلم يقبل حتى يقيم البينة على وجود النهب والحريق لأن الأصل أن لا نهب ولا حريق ويمكن إقامة البينة عليها فلم يقبل قوله من غير بينة فإن أقام البينة على ذلك أو ادعى