للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته١" ويخالف الكلأ فإنه لا يستخلف عقيب أخذه وربما احتاج إليه لماشيته قبل أن يستخلف فتهلك ماشيته والماء يستخلف عقيب أخذه وما ينقص من الدلو والحبل لا يستخلف فيستضر والضرر لا يزال بالضرر ولا يلزمه بذل فضل الماء للزرع لأن الزرع لا حرمة له في نفسه والماشية لها حرمة في نفسها ولهذا لو كان الزرع له لم يلزمه سقيه ولو كانت الماشية لزمه سقيها وإن لم يفضل الماء عن حاجته لم يلزمه بذله لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الوعيد على من منع الفضل ولأن ما لا يفضل عن حاجته يستضر ببذله والضرر لا يزال بالضرر.

فصل: وأما المباح فهو الماء الذي ينبع في الموات فهو مشترك بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاثة الماء والنار والكلأ٢" فمن سبق منهم إلى شيء منه كان أحق به لقوله صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق٣" فإن أراد أن يسقي منه أرضاً فإن كان نهراً عظيماً كالنيل والفرات وما أشبههما من الأودية العظيمة جاز أن يسقي منه ما شاء ومتى شاء لأنه لا ضرر فيه على أحد وإن كان نهراً صغيراً لا يمكن سقي الأرض منه إلا أن يحبسه فإن كانت الأرض متساوية بدأ من في أول النهر فيحبس الماء حتى يسقي أرضه إلى أن يبلغ الماء إلى الكعب ثم يرسله إلى من يليه وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في شرب نهر من سيل أن للأعلى أن يشرب قبل الأسفل ويجعل الماء فيه إلى الكعب ثم يرسله إلى الأسفل الذي يليه كذلك حتى تنتهي الأرضون وروى عبد الله بن الزبير أن الزبير ورجلاً من الأنصار تنازعا في شراج الحرة التي يسقى بها النخل، فقال الأنصاري


١ رواه أحمد في مسنده "٢/١٧٩،١٨٣،٢٢١".
٢ رواه أبو داود في كتاب البيوع باب ٦٠. ابن ماجة في كتاب الرهون باب ١٦. أحمد في مسنده "٥/٣٦٤".
٣ رواه أبو داود في كتاب الإمارة باب ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>