فصل: والأفضل أن يقدم ما يوصي به من البر في حياته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال:"أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا١" ولأنه لا يأمن إذا وصى به أن يفرط به بعد موته فإنه اختار أن يوصي فالمستحب أن لا يؤخر الوصية لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم عنده شيء يوصي يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" ولأنه إذا أخر لم يؤمن أن يموت فجأة فتفوته.
فصل: وأما من لا يجوز تصرفه في المال فإن كان ممن لا يميز كالمعتوه والمبرسم ومن عاين الموت لم تصح وصيته لأن الوصية تتعلق صحتها بالقول ولا قول لمن لا يميز ولهذا لا يصح إسلامه ولا توبته فلم تصح وصيته فإن كان صبياً مميزاً أو بالغاً مبذراً ففيه قولان: أحدهما لا تصح وصيته لأنه تصرف في المال فلم يصح من الصبي والمبذر كالهبة والثاني تصح لأنه منع من التصرف خوفاً من إضاعة المال وليس في الوصية إضاعة المال لأنه إن عاش فهو على ملكه وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب وقد حصل له ذلك بالوصية.
فصل: وأما إذا أوصى بما زاد على الثلث فإن لم يكن له وارث بطلت الوصية فيما زاد على الثلث لأن ماله ميراث للمسلمين ولا مجيز له منهم فبطلت فإن كان له وارث ففيه قولان: أحدهما أن الوصية تبطل بما زاد على الثلث لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى سعداً عن الوصية بما زاد على الثلث والنهي يقتضي الفساد وليست الزيادة مالاً للوارث فلم تصح وصيته به كما لو أوصى بمال للوارث من غير الميراث والثاني أنها تصح وتقف على إجازة الوارث فإن أجاز نفذت وإن ردها بطلت لأن الوصية صادفت ملكه وإنما يتعلق بها حق الوارث في الثاني فصحت ووقفت الإجازة كما لو باع ما فيه شفعة فإن قلنا على أنها باطلة كانت الإجازة هبة مبتدأة يعتبر فيها الإيجاب والقبول باللفظ الذي تنعقد به الهبة ويعتبر في لزومها القبض وإن كانت الوصية عتقاً لم يصح إلا بلفظ العتق ويكون
١ رواه مسلم في كتاب الزكاة حديث ٩٣. النسائي في كتاب الزكاة باب ٦٠. ابن ماجة في كتاب الوصايا باب ٤. أحمد في مسنده "٢/٢٣١".