أصحابنا من قال: هي طاهرة كسائر رطوبات البدن وأما ينجس بذلك فهي الأعيان الطاهرة إذا لاقاها شيء من هذه النجاسات وأحدهما رطب والآخر يابس فينجس بملاقاتها.
فصل: ولا يطهر شيء من النجاسة بالاستحالة إلا شيئان: أحدهما جلد الميتة إذا دبغ وقد دللنا عليه في موضعه والثاني الخمر إذا استحالت بنفسها خلاً فتطهر بذلك لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال: لا يحل خل من خمر أفسدت حتى يبدأ الله إفسادها فعند ذلك يطيب الخل ولا بأس أن يشتروا من أهل الذمة خلاً ما لم يتعمدوا إلى إفساده ولأنه إنما حكم بتحريمها للشدة المطربة الداعية إلى الفساد وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن يحكم بطهارتها وإن خللت بخل أو ملح لم تطهر لما روي أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً فقال "أهرقها" قال: أفلا أخللها؟ قال لا فنهاه عن التخليل فدل على أنه لا يجوز ولأنه لو جاز لندبه إليه لما فيه من إصلاح مال اليتيم ولأنه إذا طرح فيها الخل نجس الخل فإذا زالت الشدة المطربة بقيت نجاسة الخل النجس فلم تطهر فإن نقلها من شمس إلى ظل أو من ظل إلى شمس حتى تخللت ففيه وجهان: أحدهما تطهر لأن الشدة قد زالت من غير نجاسة خلفتها والثاني لا تطهر لأنه لو فعل محظور توصل به إلى استعجال ما يخل في الثاني فلم يحل كما لو قتل مورثه أو نفر صيداً حتى خرج من الحرم إلى الحل وإن أحرق العذرة أو السرجين حتى صار رماداً لم يطهر لأن نجاستهما لعينهما وتخالف الخمر فإن نجاستهما لمعنى معقول وقد زال ذلك وأما دخان النجاسة إذا أحرقت ففيه وجهان: أحدهما أنه نجس لأنه أجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد والثاني أنه ليس بنجس لأنه بخار نجاسة فهو كالبخار الذي يخرج من الجوف.
فصل: وإذا ولغ الكلب في إناء أو أدخل عضواً منه فيه وهو رطب لم يطهر الإناء حتى يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب١" فعلق طهارته
١ رواه البخاري في كتاب الوضوء باب ٣٣. مسلم في كتاب الطهارة حديث ٨٩. أبو داود في كتاب الطهارة باب ٣٧. الترمذي في كتاب الطهارة ٦٨. النسائي في كتاب الطهارة باب ٥٠- ٥٢. أحمد في مسنده "٢/٢٤٥، ٢٥٣".