فالحاصل: أن النسخ من الأخف إلى الأثقل، لا يعتبر مستحيلًا لذاته، ولا لغيره. فضلًا عن الأدلة الشرعية التي وقعت، وهي خير دليل على ذلك -كما سيأتي-. ١ التخيير بين الفدية والصيام كان ثابتًا بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... } [البقرة: ١٨٤] وقد نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] . وقد قدم الكلام على الآثار الواردة في ذلك. ٢ جاء في تفسير ابن كثير "١/ ٥١٩" "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخر صلاة الظهر والعصر يوم الأحزاب فصلاهما بعد الغروب، ثم صلى بعدهما المغرب والعشاء". كما روى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رجع من الأحزاب قال: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بلى نصلي، لم يرد ذلك منا، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف واحدًا منهم. انظر: نيل الأوطار "٣/ ٣٦٨" طبعة الحلبي. فلما نزل قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ... } [البقرة: ٢٣٩] نسخ تأخير الصلاة، وصلوا على أي حال، ثم جاء بيان كيفية الخوف في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: ١٠٢] .