وقال تعالى -في موضع آخر-: {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: ١١] . فبين سبحانه وتعالى لنا بذلك طريق الاستدلال على إمكان البعث والمعاد، ولولا هذا الطريق الذي فتحه الله تعالى للمؤمنين لما اجترأ متكلموهم أن يستدلوا عليه، ولا يتكلمون مع الفلاسفة المنكرين له فيه. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر -رضي الله عنه- حين قال له: قبلت وأنا صائم-: "أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ " فقال عمر: لا بأس بذلك. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ففيم؟ " "رواه أبو داود "٢٣٨٥" وأحمد "١/ ٢١، ٥٢" وصححه ابن خزيمة "١٩٩٩" وابن حبان "٩٠٥" والحاكم "١/ ٤٣١" ووافقهم الذهبي". فقاس -صلى الله عليه وسلم- القبلة على المضمضة، وبين بذلك أن الفطر إنما يكون بما يجاوز الحلق إلى الجوف، أو بما يحصل منه مقصوده الموضوع له من المفطرات، والقبلة لم يحصل منها مقصود جنسها وهو الإنزال، كما أن المضمضة لم يحصل منها مقصود الشرب وهو الري. الوجه الثاني: الترك: مثل تركه -صلى الله عليه وسلم- لفعل أمر به تركه، أو سبق له فعله ثم تركه، فيكون تركه لهذا الفعل بيانًا له. ومن أمثلة الأول: الأمر بالإشهاد في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان بيايع ولا يشهد، بدليل الفرس الذي اشتراه من الأعرابي، ثم أنكر الأعرابي البيع، حتى جاء خزيمة بن ثابت فشهد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أنه لم يكن حاضرًا، وإنما شهد بناء على صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلم -بذلك- أن الإشهاد في البيع غير واجب. ومن امثلة الثاني: تركه -صلى الله عليه وسلم- لصلاة التروايح، بعد أن صلاها في رمصان، خشية أن تفرض على المسلمين، فدل ذلك على عدم وجوبها، لأن الواجب لا يجوز تركه. الوجه الثالث: السكوت بعد السؤال عن حكم الواقعة، فيعلم -بهذا السكوت- أنه لا حكم للشرع فيها، كما روي: أن زوجة سعد بن الربيع -رضي =