كمثراة هي احسن الكمثرى. فاجتاز الخادم بالمهدي وكان يعجبه الكمثرى فأخذ تلك الكمثراة المسمومة فأكلها. فلما وصلت الى جوفه صاح: جوفي جوفي. فسمعت حسنة بموته فجاءت تبكي وتلطم وجهها وتقول: أردت ان انفرد بك فقتلتك. فمات من يومه وكان موته في المحرم لثمان بقين منه سنة تسع وستين ومائة وكانت خلافته عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلث وأربعين سنة ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتها.
حكي انه لما همّ المهدي بالخروج الى ماسبذان تقدم الى حسنة حظيّته ان تخرج معه. فأرسلت الى توفيل بن توما النصراني المنجّم الرهاوي وهو رئيس منجمي المهدي قائلة له: انك أشرت على امير المؤمنين بهذا السفر فجشمتنا سفرا لم يكن في الحساب.
فعجل الله موتك وأراحنا منك. فلما بلّغته رسالتها قال للجارية التي أتته بها: ارجعي إليها وقولي لها ان هذه الاشارة ليست مني. واما دعاؤك عليّ بتعجيل الموت فهذا شيء قد قضى الله به وموتي سريع فلا تتوهمي ان دعوتك استجيبت. ولكن اعدّي لنفسك ترابا كثيرا. فإذا انا متّ فاجعليه على رأسك. فما زالت متوقعة تأويل قوله منذ توفي حتى توفي المهدي بعد عشرين يوما. وكان توفيل هذا على مذهب الموارنة الذين في جبل لبنان من مذاهب النصارى. وله كتاب تاريخ حسن ونقل كتابي اوميروس الشاعر على فتح مدينة ايليون في قديم الدهر من اليونانية الى السريانية بغاية ما يكون من الفصاحة.
وفي هذا الزمان اشتهر في الطب ابو قريش طبيب المهدي وهو المعروف بعيسى الصيدلاني. ولم يذكر هذا في جملة الأطباء لأنه كان ماهرا بالصناعة وانما يذكر لظريف خبره وما فيه من العبرة وحسن الاتفاق. وهو ان هذا الرجل كان صيدلانيا ضعيف الحال جدا. فتشكّت الخيزران حظية المهدي وكانت من مولدات المدينة. وتقدمت الى جاريتها بأن تخرج القارورة الى طبيب غريب لا يعرفها. وكان ابو قريش بالقرب من القصر الذي للمهدي. فلما وقع نظر الجارية عليه أرته القارورة. فقال لها: لمن هذا الماء. فقالت: لامرأة ضعيفة. فقال: بل لملكة جليلة عظيمة الشأن وهي حبلى بملك.
وكان هذا القول منه على سبيل الرزق. فانصرفت الجارية من عنده وأخبرت الخيزران بما سمعت منه. ففرحت بذلك فرحا شديدا وقالت: ينبغي ان تضعي علامة على دكانه حتى إذا صحّ قوله اتخذناه طبيبا لنا. وبعد مدة ظهر الحبل وفرح به المهدي فرحا شديدا. فأنفذت الخيزران الى ابي قريش خلعتين فاخرتين وثلاثمائة دينار وقالت: استعن بهذه على أمرك. فان صحّ ما قلته استصحبناك. فعجب ابو قريش من ذلك وقال: