للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة مات محمد بن جابر بن سنان ابو عبد الله الحرّاني المعروف بالبتّاني احد المشهورين برصد الكواكب ولا يعلم احد من الإسلام بلغ مبلغه في تصحيح ارصاد الكواكب وامتحان حركاتها. وكان أصله من حرّان صابئا. وفي سنة عشرين وثلاثمائة توفي محمد بن زكريا الرازيّ وكان في ابتداء امره يضرب بالعود ثم ترك ذلك واقبل على تعلم الفلسفة فنال منها كثيرا وألّف كتبا كثيرة أكثرها في صناعة الطبّ وسائرها في المعارف الطبيعيّة ودبّر بيمارستان الريّ [١] ثم بيمارستان بغداد زمانا. وكان في بصره رطوبة لكثرة أكله الباقلّى ثم عمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه. وجاءه كحال ليقدحهما فسأله عن العين كم طبقة هي. فقال: لا اعلم. فقال له: لا يقدح عينيّ من لا يعلم ذلك. فقيل له: لو قدحت لكنت أبصرت. قال: لا قد أبصرت في الدنيا حتى مللت. وقيل ان أبا بكر محمد بن زكريا الرازي أوحد دهره وفريد عصره جمع المعرفة بعلوم القدماء لا سيما الطبّ وكان شيخا كبير الرأس مسفّطا. ولم يكن يفارق النسخ اما يسودّ [٢] او يبيّض. وألّف في الكيمياء اثني عشر كتابا وذكر انها اقرب الى الممكن منها الى الممتنع. وكان كريما متفضلا بارّا بالناس حسن الرأفة بالفقراء والاعلّاء حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرّضهم. وحكي عن الكعبي انه قال لابن زكريا:

رأيتك تدّعي ثلثة اصناف من العلوم وأنت أجهل الناس بها تدّعي الكيمياء وقد حبستك زوجتك على عشرة دراهم فلو ملكت يوما قدر مهرها ما رافعتك الى الحاكم فحضرت معها وحلفت لها عليه. وتدّعي الطبّ وتركت عينك حتى ذهبت. وتدعي النجوم والعلم بالكائنات وقد وقعت في نوايب ولم تشعر بها حتى أحاطت بك. أقول الطعن الاول مباين لما نقل من حسن رأفته بالفقراء ولا يبعد ان الأخر [٣] قول حاسد. ومن الأطباء الذين للمقتدر بختيشوع بن يحيى [٤] وسنان بن ثابت بن قرة الصابئ والد ثابت بن سنان صاحب التاريخ. ولم يكن في اطبائه اخص من هذين. وسيأتي قصة سنان في باب خلافة القاهر.

[(القاهر بن المعتضد)]

لما قتل المقتدر عظم قتله على مؤنس وقال: الرأي ان ننصب ولده أبا العباس فانه تربيتي وهو صبي عاقل فيه دين وكرم ووفاء بما يقول. فاعترض


[١-) ] الري ر جنديسابور.
[٢-) ] النسخ اما يسوّد إلخ ر الشيخ اما تسويد او تبييض.
[٣-) ] الاخر ر الثلاثة.
[٤-) ] يحيى ر عيسى.