للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتصف ربيع الاول وكانت خلافته ستّ سنين وعشرة أشهر وكان أديبا شاعرا سمحا سخيا يحبّ محادثة الأدباء والفضلاء والجلوس معهم [١] .

وكان ببغداد في خلافة الراضي بعد سنة عشرين وثلاثمائة وقبل سنة ثلثين متّى ابن يونس المنطقّي النصرانيّ عالم بالمنطق شارح له مكثر وطيّ الكلام قصده التعليم والتفهيم وهو من اهل دير قنى ممّن نشأ في اسكول [٢] مار ماري قرأ على روفيل وبنيامين الراهبين اليعقوبيّين. ومتّى نسطوريّ النحلة ذكره محمد بن اسحق النديم في كتابه وقال: اليه انتهت رئاسة المنطقيّين في عصره ومصره.

(المتّقي بن المقتدر)

لما مات الراضي كان بجكم بالكوفة [٣] فورد كتابه مع الكوفيّ كاتبه يأمر فيه ان يجتمع مع ابي القاسم سليمان وزير الراضي العلويّون والقضاة والعباسيّون ووجوه البلد ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة. فاتفقوا كلهم على ابراهيم ابن المقتدر وبايعوه ولقبوه المتقي لله وسيّر الخلع واللواء الى بجكم الى واسط وأقر سليمان على وزارته وليس له منها الا اسمها وانما التدبير كله الى الكوفي كاتب بجكم. وفي هذه السنة وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة قتل بجكم قتله الأكراد وهو يتصيد في نهر جور. ولما قتل بجكم دخل ابو عبد الله البريدي بغداد فنزل بالشفيعي ولقيه الوزير والقضاة والكتّاب واعيان الناس فأنفذ اليه المتقي يهنئه بسلامته وأنفذ له طعاما عدة ليال ثم انفذ البريديّ الى المتقي يطلب خمسمائة ألف دينار ليفرقها في الجند. فامتنع عليه. فأرسل اليه يتهدده ويذكّره ما جرى على المعتزّ والمستعين والمهتدي. فأنفذ اليه تمام خمسمائة ألف دينار ولم يلق البريديّ المتقي مدة مقامه ببغداد. فلما حصل المال في يد البريدي لم يؤثر الجند من المال بطائل فشغبوا عليه وحاربوه فهرب منهم هو واخوه وابنه وأصحابه وانحدروا في الماء الى واسط واستولى كورتكين الديلمي على الأمور ببغداد ودخل الى


[١-) ] وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وشهورا. قال ابن الأثير في الكامل: «وختم الخلفاء في امور عدة فمنها انه آخر خليفة له شعر يدون وآخر خليفة خطب كثيرا وان كان غيره قد خطب نادرا لا اعتبار به.
وكان آخر خليفة جالس الجلساء ووصل اليه الندماء. وآخر خليفة كانت له نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وحجابه وأموره على ترتيب الخلفاء المتقدمين. ومن شعره يرثي أباه المقتدر:
ولو ان حيا كان قبرا لميت ... ليصرت احشائي لأعظمه قبرا
ولو ان عمري كان طوع مشيئتي ... وساعدني التقدير قاسمته العمرا
بنفسي ثرّى ضاجعت في تربة البلاد ... لقد ضم منك الغيث والليث والبرا
[٢-) ] هي كلمة يونانية [؟] ومعناها مدرسة.
[٣-) ] ويروى انه كان بواسط.