ولا تنفعه قراءته لها إذ كان من الضعف فيها بحيث لم تغنه قراءته في أصغر مسئلة من الهندسة فانه لا يحسن ان يستخرجها. فقال له المأمون: ما ادفع قولك ولكني ما أعذرك ومحلّك من الهندسة محلّك ان يبلغ بك الكسل ان لا تقرأه كله وهو للهندسة كحروف اب ت ث للكلام والكتابة. وفي دار محمد بن موسى تعلّم ثابت بن قرّة بن مروان الصابئ الحرّاني نزيل بغداد فوجب على محمد حقّه فوصله بالمعتضد وادخله في جملة المنجمين. وبلغ ثابت هذا مع المعتضد اجلّ المراتب وأعلى المنازل حتى كان يجلس بحضرته في كل وقت ويحادثه طويلا ويضاحكه ويقبل عليه دون وزرائه وخاصّته. وله مصنّفات كثيرة في التعليمات الرياضيّة والطبّ والمنطق وله تصانيف بالسريانية فيما يتعلق بمذهب الصابئة في الرسوم والفروض والسنن وتكفين الموتى ودفنهم وفي الطهارة والنجاسة وما يصلح من الحيوان للضحايا وما لا يصلح وفي اوقات العبادات وترتيب القراءة في الصلاة. والذي تحققنا من مذهب الصابئة ان دعوتهم هي دعوة الكلدانيين القدماء بعينها وقبلتهم القطب الشماليّ ولزموا فضائل النفس الأربع. والمفترض عليهم ثلث صلوات أولها قبل طلوع الشمس بنصف ساعة او اقلّ لتنقضي مع الطلوع ثماني ركعات في كل ركعة ثلث سجدات. والثانية انقضاؤها مع نصف النهار والزوال خمس ركعات في كل ركعة ثلث سجدات. والثالثة مثل الثانية تنقضي مع الغروب. والصيام المفروض عليهم ثلثون يوما أولها الثامن من اجتماع آذار. وتسعة ايام أولها التاسع من اجتماع كانون الاول.
وسبعة ايام أولها ثامن شباط. ويدعون الكواكب. وقرابينهم كثيرة لا يأكلون منها بل يحرقونها. ولا يأكلون الباقلى والثوم وبعضهم اللوبياء والقنّبيط والكرنب والعدس. وأقوالهم قريبة من اقوال الحكماء ومقالاتهم في التوحيد على غاية من التقانة ويزعمون ان نفس الفاسق تعذّب تسعة آلاف دور ثم تصير الى رحمة الله تعالى. وكان في دولة المعتضد احمد بن محمد بن مروان بن الطيب السرخسي احد فلاسفة الإسلام وله تآليف جليلة في علوم كثيرة من علوم القدماء والعرب وكان حسن المعرفة جيّد القريحة بليغ اللسان مليح التصنيف وكان أولا معلّما للمعتضد ثم نادمه وخصّ به وكان يفضي اليه بأسراره كلها ويستشيره في امور مملكته وكان الغالب على احمد هذا علمه لا عقله واتفق ان افضى اليه بسر فاذاعه فأمر المعتضد بقتله فقتل.
[(المكتفي بن المعتضد)]
لما توفي المعتضد كتب الوزير الى ابي محمد عليّ بن المعتضد وهو المكتفي وعرّفه أخذ البيعة له وكان بالرقّة فأخذ له البيعة على من عنده من الأجناد وسار الى بغداد فدخلها لثمان خلون من جمادى الاولى سنة تسع وثمانين ومائتين.