للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخلعت عظامه ثم قطعت يداه ورجلاه ثم قتل. وبعد قليل في هذه السنة في ربيع الآخر لثمان بقين منه توفي المعتضد فاجتمع القواد وجددوا البيعة لابنه المكتفي وكانت خلافة المعتضد تسع [١] سنين وتسعة أشهر وعمره سبع وأربعين سنة. وقيل كان المعتضد أسمر نحيفا شهما شجاعا وكان فيه شحّ وكان عفيفا مهيبا عند أصحابه يتقون سطوته ومع ذلك جاوز الحد في الحلم. قال الوزير عبد الله بن سليمان بن وهب: كنت عند المعتضد يوما وخادم بيده المذبة إذ ضربت [٢] قلنسوة المعتضد فسقطت فكدت اختلط إعظاما للحال ولم يتغير المعتضد وقال: هذا الغلام قد نعس. ولم ينكر عليه. فقبّلت الأرض وقلت: والله يا امير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا ولا ظننت ان حلما يسعه. قال: وهل يجوز غير هذا انا اعلم انّ هذا الصبي البائس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف والإنكار لا يكون الا على المعتمد دون الساهي الخاطئ.

وفي ايام المعتضد علت منزلة بني موسى بن شاكر وهم ثلثة محمد واحمد والحسن.

وكان موسى بن شاكر يصحب المأمون ولم يكن موسى من اهل العلم بل كان في حداثته حراميّا يقطع الطريق ثم انه تاب ومات وخلّف هؤلاء الأولاد الثلاثة صغارا فوصى بهم المأمون اسحق بن ابرهيم المصعبي واثبتهم مع يحيى بن ابي منصور في بيت الحكمة وكانت حالهم رثة رقيقة. على ان أرزاق اصحاب المأمون كلهم كانت قليلة. فخرج بنو موسى ابن شاكر نهاية في علومهم وكان أكبرهم واجلّهم ابو جعفر محمد وكان وافر الحظ من الهندسة والنجوم ثم خدم وصار من وجوه القوّاد الى ان غلب الأتراك على الدولة. وكان احمد دونه في العلم الّا صناعة الحيل فانه فتح له فيها ما لم يفتح مثله لأحد. وكان الحسن وهو الثالث منفردا بالهندسة وله طبع عجيب فيها لا يدانيه احد علم كل ما علم بطبعه ولم يقرأ من كتب الهندسة الا ست مقالات من كتاب اوقليذس في الأصول فقط وهي اقل من نصف الكتاب ولكن ذكره كان عجيبا وتخيله كان قويا. وحكي ان المروزي قال عنه يوما للمأمون انه لم يقرأ من كتاب اوقليذس الا ست مقالات. أراد بذلك كسره. فقال الحسن: يا امير المؤمنين لم يكن يسألني عن شكل من أشكال المقالات التي لم اقرأها الا استخرجته بفكري وأتيته به [٣] ولم يكن يضرّني انني لم اقرأها


[١-) ] تسع. روى ابن الأثير «سبعا» س تسع سنين وتسعة أشهر.
[٢-) ] ضربت ر ضرب.
[٣-) ] وأتيته به ر واثبتّه.