للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه شيئا وسأله إصلاح هيئة ابن أفلح الاندلسيّ فإنها صحبته من سبتة فاجتمع هو وموسى على إصلاحها وتحرّرها. وخرج من مصر الى الشام ونزل كحلب وأقام بها واشترى ملكا قريبا وتزوّج وخدم اطبّاء الخاص في الدولة الظاهرية بحلب وكان ذكيا.

حادّ الخاطر. قال القاضي الأكرم رحمه الله: كان بيني وبين يوسف هذا مودّة طالت مدّتها فقلت له يوما: ان كان للنفس بقاء وتعقل به حال الموجودات من خارج بعد الموت فعاهدني على ان تأتيني ان متّ قبلي وآتيك ان متّ قبلك. فقال: نعم.

ووصيته ان لا يغفل. ومات واقام سنتين ثم رأيته في النوم وهو قاعد في عرصة مسجد من خارجه في حضيرة له وعليه ثياب جدد بيض من النصفي فقلت له: يا حكيم ألست قرّرت معك ان تأتيني لتخبرني بما ألفيت. فضحك وأدار وجهه فأمسكته بيدي وقلت: لا بدّ ان تقول لي كيف الحال بعد الموت. فقال لي: الكلّيّ لحق بالكلّ وبقي الجزئي في الجزء. ففهمت عنه في حاله كأنه أشار الى النفس الكلية عادت الى عالم الكلّ والجسد الجزئي بقي في الجزء وهو المركب الارضي [١] . فتعجبت بعد الاستيقاظ من لطيف إشارته. نسأل الله العفو عند العود اليه بعد الموت.

[(المستنصر بن الظاهر)]

ولما توفّي الامام الظاهر بأمر الله بويع ابنه جعفر المنصور ولقب المستنصر بالله بويع يوم مات والده. ولما بويع البيعة العامّة ركب للناس ركوبا ظاهرا واستمرّ على هذه الحالة مدّة طويلة لا يختفي في ركوبه من الناس وأظهر من العدل وحسن السيرة أضعاف ما أظهره والده وأفاض من الصدقات ما أربى على من تقدّمه وتقدّم بإنشاء مدرسته المعروفة بالمستنصرية التي لم يعمّر في الدنيا مثلها فعمّرت على أعظم وصف في صورتها وآلاتها واتساعها وزخرفها وكثرة فقهائها ووقوفها. ووقفها على المذاهب الاربعة ورتّب فيها اربعة من المدرّسين في كل مذهب مدرّسا وثلاثمائة فقيه.

لكلّ مذهب خمسة وسبعون فقيها. ورتّب لهم من المشاهرات والخبز. والطعام في كل يوم ما يكفي كل فقيه ويفضل عنه وبنى لهم داخل المدرسة حمّاما خاصا للفقهاء وطبيبا خاصا يتردّد إليهم في بكرة كل يوم يفتقدهم ومخزنا فيه كل ما يحتاج اليه من انواع ما يطبخ من الاطعمة ومخزنا آخر فيه انواع الاشربة والادوية.

وفي سنة اربع وعشرين وستمائة توفي الملك المعظم عيسى بن الملك العادل صاحب دمشق في سلخ ذي القعدة وكان عمره ثمانيا وأربعين سنة [٢] . وكانت همته عالية وصار


[١-) ] ويروى: المركز الارضي.
[٢-) ] كان ملكه لمدينة دمشق من حين وفاة والده الملك العادل عشر سنين وستة أشهر.