عن عماد الدين الى سيف الدين. ورحل عماد الدين الى عمّه نور الدين مستنصرا به ليعينه على أخذ الملك لنفسه.
وفي سنة ستّ وستين وخمسمائة تاسع ربيع الآخر توفّي الامام المستنجد بالله ابو المظفر يوسف بن المقتفي وكانت خلافته احدى عشرة سنة وعمره ستا وخمسين سنة.
وكان من احسن الخلفاء سيرة مع الرعية عادلا قبض على انسان كان يسعى بالناس فأطال حبسه فشفع فيه بعض أصحابه المختصّين بخدمته وبذل عنه عشرة آلاف دينار.
فقال: انا أعطيك عشرة آلاف دينار وتحضر لي إنسانا آخر مثله احبسه فأكفّ شرّه عن الناس. ولم يطلقه. وكان سبب موته انه كتب الى وزيره مع طبيبه ابن صفية يأمره بالقبض على أستاذ الدار وقطب الدين قايماز وصلبهما وكان قد اشتدّ مرضه. فاجتمع الطبيب بهما واوقفهما على الخطّ. فقالا له: عد اليه وقل له: انني أوصلت الخطّ الى الوزير وفعل ذلك. ثم دخل المذكوران على المستنجد ومعهما أصحابهما فحملوه وهو يستغيث الى الحمّام وألقوه وأغلقوا الباب عليه وهو يصيح الى ان مات.
[(المستضي بن المستنجد)]
ولما أظهروا موت المستنجد أحضر ابنه ابو محمد الحسن وبايعه اهل بيته البيعة الخاصّة يوم توفّي أبوه اي تاسع ربيع الآخر سنة ستّ وستين وخمسمائة وبايعه الناس من الغد في التاج بيعة عامّة ولقّب المستضيء بأمر الله وأظهر من العدل أضعاف ما عمل أبوه وفرّق أموالا جليلة المقدار. ولما بلغ نور الدين محمود ابن زنكي وفاة أخيه قطب الدين مودود صاحب الموصل وملك ولده سيف الدين غازي الموصل وتحكم فخر الدين عبد المسيح عليه انف لذلك وسار بجريدة في قلّة من العسكر وعبر الفرات عند قلعة جعبر وملك الرقّة والخابور ونصيبين وحاصر سنجار وملكها وسلّمها الى عماد الدين ابن أخيه وأتى مدينة بلد [١] وعبر دجلة عندها مخاضة الى الجانب الشرقيّ ونزل على حصن نينوى. ومن العجب انه يوم نزوله سقط من سور الموصل بدنة كبيرة فأرسل فخر الدين عبد المسيح الى نور الدين في تسليم البلد اليه على ان يقرّه بيد سيف الدين ويطلب لنفسه الامان ولماله واهله فأجيب الى ذلك وشرط ان فخر الدين يأخذه معه الى الشام ويعطيه عنده اقطاعا مرضية. فتسلّم البلد ودخل القلعة وأمر بعمارة الجامع النوريّ وسلم الموصل الى سيف الدين وسنجار لعماد الدين وعاد الى الشام واستصحب معه فخر الدين عبد المسيح وكان مقامه بالموصل اربعة وعشرين
[١-) ] بلد وربما قيل لها بلط واسمها بالفارسية شهراباذ مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل بينهما سبعة فراسخ وبينها وبين نصيبين ثلاثة وعشرون فرسخا.