للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان في هذا الزمان من الحكماء المشهورين بالمشرق السموءل بن ايهوذا المغربيّ الاندلسيّ الحكيم اليهوديّ قدم هو وأبوه الى المشرق وكان أبوه يشدو شيئا من الحكمة وكان ولده السموءل قد قرأ فنون الحكمة وقام بالعلوم الرياضيّة وأحكم أصولها وفوائدها ونوادرها وله في ذلك مصنّفات وصنّف كتبا في الطبّ وارتحل الى اذربيجان وخدم بيت بهلوان وأمراء دولتهم وأقام بمدينة مراغة وأولد أولادا هناك سلكوا طريقته في الطبّ ثم أسلم وصنّف كتابا في اظهار معايب اليهود ومواضع الدليل على تبديلهم التوراة ومات بالمراغة قريبا من سنة سبعين وخمسمائة. وكان في هذا الأوان ايضا الرحبي الطبيب نزيل دمشق من اهل الرحبة أصله كان من الرحبة حسن المعالجة لطيف المباشرة نزه النفس يعاني التجارة ورزق بها مالا جما وأولادا مرضيّي الطريقة لهم اشتغال جيد في هذا الفنّ وكان كثير التنعّم [١] حسن المركب والملبس والمأكل والمنزل يلزم في أموره قوانين حفظ الصحة الموجودة. وقيل له: ما ثمرة هذا. قال: ان يعيش الإنسان العمر الطبيعيّ.

فقيل له: أنت قد بلغت من السنّ ما لم يبق بينك وبين العمر الطبيعيّ الا القليل فأيّ حاجة الى هذا التكلّف. فقال: لأبقى ذلك القليل فوق الأرض واستنشق الهواء واتجرّع الماء ولا أكون تحت التراب بسوء التدبير. ولم يزل على حالته الى ان أتاه أجله في أوائل سنة اثنتين وثلثين وستمائة وخلف ثلثة بنين اثنان منهم طبيبان فاضلان وسيأتي ذكرهما.

قال الرحبي هذا: استدعاني نور الدين محمود في مرضه الذي توفّي فيه مع غيري من الأطباء فدخلنا اليه وهو في بيت صغير بقلعة دمشق وقد تمكنّت منه الخوانيق وقارب الهلاك فلا يكاد يسمع صوته وكان يخلو فيه للتعبّد فابتدأ به المرض فلم ينتقل عنه.

فلما دخلنا ورأينا ما به قلت له: كان ينبغي ان لا تؤخّر احضارنا الى ان يشتدّ بك المرض. الآن ينبغي ان تعجل الانتقال من هذا الموضع الى مكان فسيح مضيء فله اثر في هذا المرض. وشرعنا في علاجه وأشرنا بالفصد فقال: ابن ستين سنة لا يفتصد.

وامتنع عنه فعالجناه بغيره فلم ينجع فيه الدواء.

[(الناصر بن المستضيء) :]

ولما مات المستضيء قام ظهير الدين ابن العطّار في أخذ البيعة لولده الناصر لدين الله ابي العباس احمد. فلما تمّت البيعة صار الحاكم في الدولة مجد الدين ابو الفضل بن الصاحب. وفي سابع ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة قبض على ابن العطار ووكل عليه في داره ثم نقل الى التاج وقيّد وطلبت ودائعه وأمواله ثم أخرج ميتا على رأس حمّال سرا فغمز به بعض العامة فثار به العامة فألقوه عن رأس


[١-) ] التنعم ر الدرهم.