من دار الوزير عائدا الى دار الخليفة فتبعاه الى باب الغلّة والمظلمة ووثبا عليه بسكينيهما وجرحاه وانهزما. فبصر بهما وصاح: خذوهما. فعادا اليه وقتلاه وجرحا النفّاط الذي بين يديه. وحمل الحكيم ابن توما الى منزله ودفن بداره في ليلة. وبعد تسعة أشهر نقل الى تربة آبائه في البيعة بباب المحوّل. وبحث الخليفة والوزير عن القاتلين فعرفا وامر بالقبض عليهما وفي بكرة تلك الليلة أخرجا الى موضع القتل وشقّ بطناهما وصلبا على باب المذبح المحاذي لباب الغلة التي جرح في بابها.
[(الظاهر بن الناصر) :]
ولما توفي الناصر الدين الله بويع ابنه الامام الظاهر بأمر الله عدّة الدين ابو نصر محمد في ثاني شوّال من سنة اثنتين وعشرين وستمائة. وكان والده قد بايع له بولاية العهد وكتب بها الى الآفاق وخطب له بها مع أبيه على سائر المنابر.
ومضت على ذلك مدّة ثم نفر عنه بعد ذلك وخافه على نفسه فانه كان شديدا قويا ايّدا عالي الهمة فأسقط اسمه من ولاية العهد في الخطبة واعتقله وضيّق عليه ومال الى أخيه الصغير الأمير عليّ الّا انه لم يعهد اليه. فاتفقت وفاة الأمير عليّ الصغير في حياة والده وخلف أولادا طفالا فبعث بهم الى ششتر. فعلم الامام الناصر انه لم يبق له ولد تصير الخلافة اليه بعده غيره. فعهد اليه وبايع له الناس وهو في الحبس مضبوط عليه وكانت عامّة اهل بغداد يميلون اليه. فلما توفي الناصر أخرجه ارباب الدولة وبايعوه بالخلافة. وقال لما بويع: كيف يليق ان يفتح الإنسان دكانا بعد العصر. قد نيّفت على الخمسين سنة وأتقلّد الخلافة. ثم أظهر من العدل والأمن ما لم يمكن وصفه وأزال الظلم وردّ على الناس أموالا جزيلة واملاكا جليلة كانت قد أخذت منهم وأزال مكوسا كثيرة وكانت قد جدّدت. وارتفع عن الناس ما كانوا ألفوه من الخوف في زمان والده فأظهروا نعمتهم وامتنع المفسدون من السعايات. وعقد لبغداد جسرا ثانيا عظيما جديدا وأنفق عليه مالا كثيرا فصار في بغداد على دجلتها جسران. وما زالت دولته كذلك عادلة آمنة منذ ولي الى ان توفي في رابع عشر شهر رجب سنة ثلث وعشرين وستمائة بعد تسعة أشهر من ولايته.
وفيها مات يوسف بن يحي بن اسحق السبتيّ المغربيّ. هذا كان طبيبا من اهل قادس وقرأ الحكمة بجلادة فشدا فيها وعانى شيئا من علوم الرياضة فأجادها وكانت حاضرة على ذهنه عند المحاضرة. ولما ألزم اليهود في تلك البلاد بالإسلام او الجلاء كتم دينه وارتحل الى مصر بماله واجتمع بموسى بن ميمون القرطبيّ رئيس اليهود بمصر وقرأ