للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من شعابيذه أشياء منها تصويره بين يديه بستانا فيه زروع وماء. وفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة استشعر مؤنس الخادم خوفا من المقتدر فامتنع من دخول دار المقتدر. فاجتمع اليه جميع الأجناد وقالوا له: لا تخف نحن نقاتل بين يديك الى ان ينبت لك لحية. فوجّه اليه المقتدر رقعة بخطه يحلف له على بطلان ما قد بلغه. فقصد دار المقتدر في جمع من القوّاد ودخل اليه وقبّل يده. وحلف له المقتدر على صفاء نيته له. وفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة خلع المقتدر بالله من الخلافة وبويع اخوه القاهر [١] بالله محمد بن المعتضد فبقي يومين ثم أعيد المقتدر. وكان السبب في ذلك استيحاش مؤنس الخادم. وفي سنة عشرين وثلاثمائة سار مؤنس الخادم الى الموصل مغاضبا ووجّه خادمه بشرى برسالة الى المقتدر. فسأله الوزير الحسين عن الرسالة. فقال: لا اذكرها الّا للمقتدر كما امرني صاحبي. فشتمه الوزير وشتم صاحبه وأمر بضربه وصادره بثلاثمائة ألف دينار. فلما بلغ مؤنسا ما جرى على خادمه وهو بحربى ينتظر ان يطيب المقتدر قلبه ويعيده سار نحو الموصل ومعه جميع القواد فاجتمع بنو حمدان على محاربته. ولما قرب مؤنس من الموصل كان في ثمانمائة فارس واجتمع بنو حمدان في ثلثين ألفا فالتقوا واقتتلوا فانهزم بنو حمدان واستولى مؤنس على أموالهم وديارهم فخرج اليه كثير من العساكر من بغداد والشام ومصر لإحسانه إليهم وأقام بالموصل تسعة أشهر ثم انحدر الى بغداد ونزل بباب الشّماسية. وأشار على المقتدر أصحابه بحضور الحرب فان القوم متى رأوه عادوا جميعهم اليه فخرج وهو كاره وبين يديه الفقهاء والقراء ومعهم المصاحف منشورة وعليه البردة والناس حوله.

فوقف على تلّ عال بعيد عن المعركة. فأرسل قوّاده يسألونه التقدّم. فلما تقدّم من موضعه انهزم أصحابه قبل وصوله إليهم. فأراد الرجوع فلحقه قوم من المغاربة وشهروا عليه سيوفهم. فقال: ويحكم انا الخليفة. قالوا: قد عرفناك يا سفلة. وضربه واحد بسيفه على عاتقه فسقط الى الأرض وذبحه بعضهم ورفعوا رأسه على خشبة وهم يكبّرون ويلعنونه وأخذوا جميع ما عليه حتى سراويله وتركوه مكشوف العورة الى ان مرّ به رجل من الاكرة فستره بحشيش ثم حفر له في موضعه ودفن وعفا [٢] قبره. ولما حمل رأس المقتدر الى مؤنس بكى ولطم وجهه ورأسه وأنفذ الى دار الخليفة من منعها من النهب. وكانت خلافة المقتدر خمسا وعشرين سنة وعمره ثماني وثلثين سنة.


[١-) ] القاهر. ر القادر وهو تصحيف س واخرج من الحبس محمد بن المعتضد وحلف له (وبايعه) وسماه القاهر.
[٢-) ] وعفا ر وخفي.