عليه اسحق النوبختي وقال: بعد الكد استرحنا من خليفة له أم وخالة وخدم يدبّرونه فنعود الى تلك الحال لا والله لا نرضى الا برجل كامل يدبّر نفسه ويدبّرنا. وما زال حتى ردّ مؤنسا عن رأيه وذكر له ابو منصور محمد بن المعتضد فأجابه مونس الى ذلك. وكان النوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه فا القاهر قتله كما سيأتي ذكره. وأمر مونس بإحضار محمد ابن المعتضد فبايعوه بالخلافة لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة ولقبوه القاهر بالله. وكان مؤنس كارها لخلافته ويقول: انني عارف بشره وشؤمه. ولما بويع استحلفه مؤنس لنفسه ولحاجبه بليق ولعليّ بن بليق. واستحجب القاهر عليّ بن بليق وتشاغل القاهر بالبحث عمن استتر من أولاد المقتدر وحرمه ثم احضر القاهر ام المقتدر عنده وكانت مريضة قد ابتدأ بها استسقاء فسألها عن مالها فاعترفت له بما عندها من المتاع والثياب ولم تعترف بشيء من المال والجواهر. فضربها اشدّ ما يكون من الضرب وعلقها برجلها وضرب المواضع الغامضة من بدنها. فحلفت انها لا تملك غير ما اطلعته عليه. وصادر جميع حاشية المقتدر وأصحابه ووكل على بيع املاك أمّ المقتدر وحلّ وقوفها فبيع جميع ذلك. وفي سنة احدى وعشرين وثلاثمائة استوحش مؤنس وبليق الحاجب وولده عليّ الوزير وابو عليّ بن مقلة من القاهر وضيّقوا عليه ووكلوا على دار الخليفة احمد بن زيرك وأمروه بتفتيش كل من يدخل الدار ويخرج منها وان يكشف وجوه النساء المنقّبات. ففعل ذلك وزاد عليه حتى انه حمل الى دار القاهر لبن فأدخل يده فيه لئلا يكون فيه رقعة. فعلم القاهر ان العتاب لا يفيد فأخذ في الحيلة والتدبير عليهم وأرسل الى الساجيّة اصحاب يوسف بن ابي الساج يغريهم بمؤنس وبليق ويحلف لهم على الوفاء فتغيرت قلوبهم. فبلغ ابن مقلة ان القاهر يجتهد في التدبير عليهم فذكر ذلك لمؤنس وبليق وابنه فاتفق رأيهم على خلع القاهر الا مؤنس فانه قال لهم:
لست أشك في شر القاهر وخبثه ولقد كنت كارها لخلافته وأشرت بابن المقتدر فخالفتموني وقد بالغتم الآن في الاستهانة به وما صبر على الهوان الا من خبث طويته ليدبر عليكم فلا تعجلوا حتى تؤنسوه وينبسط إليكم ثم اعملوا على ذلك. فقال عليّ ابن بليق وابن مقلة: ما يحتاج الى هذا التطويل فان الحجبة لنا والدار في أيدينا وما يحتاج ان نستعين في القبض عليه بأحد لأنه بمنزلة طائر في قفص. واتفقوا على ان يدخل عليّ بن بليق على القاهر ويكون قد أمر جماعة من عسكره بالركوب الى أبواب دار الخليفة فيقبض عليه. فهم في هذا ان حضرت ظريف السكّريّ في زي امرأة فاجتمع بالقاهر فذكر له جميع ما قد عزموا عليه فأخذ حذره وانفذ الى الساجية أحضرهم متفرقين