وأكمنهم في الدهليز والممرات والرواقات. وحضر عليّ بن بليق بعد العصر وفي رأسه نبيذ ومعه عدد يسير من غلمانه بسلاح خفيف وطلب الأذن فلم يؤذن له فغضب وأساء أدبه. فخرج اليه الساجية وشتموه وأباه. فألقى نفسه الى طيارة وعبر الى الجانب الغربي واختفى من ساعته [١] . وبلغ الخبر ابن مقلة فاستتر. وأنكر بليق ما جرى على ابنه وسبّ الساجية وحضر دار الخليفة ليعاتب على ذلك فلم يوصله القاهر اليه وأمر بالقبض عليه وعلى ابن زيرك. وراسل القاهر مؤنسا يسأله الحضور عنده وقال: أنت عندي بمنزلة الوالد وما أحب ان اعمل شيئا الّا عن رأيك. فاعتذر مؤنس عن الحركة وانه قد استولى عليه الكبر والضعف. فأظهر له الرسول النصح وقال: ان تأخرت طمع ولو رآك نائما ما تجاسر على ان يوقظك. فسار مؤنس اليه فلمّا دخل الدار قبض عليه القاهر وحبسه. قيل لما عليم القاهر بمجيء مؤنس هابه وهاله أمره وارتعد وتغيّرت أحواله وزحف من صدر فراشه ثم ربط جأشه. ولما قبض على مؤنس شغب أصحابه وثاروا وتبعهم سائر الجند. وكان القاهر قد ظفر بعليّ بن يليق فدخل القاهر اليه وأمر به فذبح وأخذوا رأسه فوضعوه في طشت ثم مضى القاهر والطشت يحمل بين يديه حتى دخل على بليق فوضع الطشت بين يديه وفيه رأس ابنه. فلما رآه بكى وأخذ يقبّله ويترشّفه. فأمر القاهر فذبح ايضا وجعل رأسه في الطشت وحمل بين يدي القاهر ومضى حتى دخل على مؤنس فوضعهما بين يديه. فلما. رأى الرأسين تشهّد ولعن قاتلهما. فقال القاهر: جرّوا برجل الكلب الملعون فجرّوه وذبحوه وجعلوا رأسه في طشت وأمر فطيف بالرؤوس في جانبي بغداد ونودي عليها: هذا جزاء من يخون الامام ويسعى في فساد دولته.
وفي ايام القاهر كان ابتداء دولة بني بويه وهم ثلثة عماد الدولة عليّ وركن الدولة الحسن ومعزّ الدولة احمد أولاد ابي شجاع بويه بن فناخسرو ومن ولد يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس. وهذا نسب عريق في الفرس ولا شك انهم نسبوا الى الديلم حيث طال مقامهم ببلادهم. وقيل ان أبا شجاع بويه كان متوسط الحال ورأى في منامه كأنه يبول فخرج من ذكره نار عظيمة استطالت وعلت حتى كادت تبلغ السماء ثم انفرجت فصارت ثلث شعب وتولد من تلك الشعب عدة شعب فأضاءت الدنيا بتلك النيران ورأى البلاد والعباد خاضعين لتلك النيران. فمضى بويه الى رجل يقول عن نفسه انه منجم ومعزّم ومعبّر المنامات ويكتب الرقى والطلسمات وقصّ عليه منامه. فقال المنجم: