اليه. قال له بختيشوع: لست اعرف في هؤلاء الأطباء احذق من ابني جبريل. فقال له جعفر: أحضرنيه. فلما أحضره شكا اليه مرضا كان يخفيه. فدبّره في مدة ثلثة ايام وبرئ. فأحبه جعفر مثل نفسه. وفي بعض الأيام تمطّت حظيّة الرشيد ورفعت يدها فبقيت مبسوطة لا يمكنها ردّها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والادهان فلا ينفع ذلك شيئا. فقال له جعفر عن جبريل ومهارته. فأحضره وشرح له حال الصبية. فقال جبريل: ان لم يسخط امير المؤمنين عليّ فلها عندي حيلة. قال له الرشيد: ما هي.
قال: تخرج الجارية الى هاهنا بحضرة الجمع حتى اعمل ما أريد وتتمهّل عليّ ولا تسخط عاجلا. فأمر الرشيد فخرجت وحين رآها جبريل اسرع إليها ونكس رأسها وأمسك ذيلها فانزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت اعضاؤها وبسطت يدها الى أسفل وأمسكت ذيلها. فقال جبريل: لقد برئت يا أمير المؤمنين. فقال الرشيد للجارية ابسطي يدك يمنة ويسرة. ففعلت. فعجب الرشيد وكل من حضر وأمر لجبريل في الوقت بخمسمائة ألف درهم واجبه. ولما سئل عن سبب العلة قال: هذه الصبية النصبّ الى اعضائها وقت الغشيان خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة ولأجل ان سكون حركة الغشيان تكون بغتة جمدت الفضلة في بطون الاعصاب وما كان يحلّها الّا حركة مثلها فاحتلّت حتى انبسطت حرارتها وحلّت الفضلة فبرئت.
ومن أطباء الرشيد يوحنا بن ماسويه النصراني السرياني ولّاه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة. وخدم الرشيد ومن بعده الى ايام المتوكل وكان معظما ببغداد جليل القدر وله تصانيف جميلة. وكان يعقد مجلسا للنظر ويجري فيه من كل نوع من العلوم القديمة بأحسن عبارة. وكان يدرّس ويجتمع اليه تلاميذ كثيرون. وكان في يوحنا دعابة شديدة يحضره من يحضره لأجلها في الأكثر. وكان من ضيق الصدر وشدّة الحدّة على اكثر مما كان عليه جبريل بن بختيشوع. وكانت الحدة تخرج من يوحنا ألفاظا مضحكة. فمما حفظ من نوادره ان رجلا شكا اليه علة كان شفاه منها الفصد فأشار عليه به. فقال له:
لم اعتد الفصد. قال له يوحنا: ولا احسبك اعتدتّ العلة من بطن أمّك. وصار اليه قسيس وقال: قد فسدت عليّ معدتي. فقال له يوحنا: استعمل جوارشن الخوزي.
فقال له: قد فعلت. قال: فاستعمل الكموني. قال: قد استعملت منه أرطالا. فأمره باستعمال البنداذيقون. فقال: قد شربت منه جرة. قال: استعمل المروسيا. فقال له:
قد فعلت وأكثرت. فغضب يوحنا وقال له: ان أردت ان تبرأ فأسلم فان الإسلام يصلح المعدة. وكان بختيشوع بن جبريل يداعب يوحنا كثيرا. فقال له في مجلس ابراهيم بن