للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليلة الأربعاء لثلث عشرة بقيت من ذي الحجة ولم يزل متواريا. وقدم المأمون بغداد وانقطعت الفتن. وفي هذه السنة وهي سنة اربع ومائتين مات الامام محمد بن إدريس الشافعي. وفي سنة عشر ومائتين في ربيع الآخر أخذ ابراهيم بن المهدي وهو متنقّب مع امرأتين وهو في زيّ امرأة أخذه حارس اسود ليلا فقال: من انتنّ واين تردن هذا الوقت. ولما استراب بهنّ رفعهنّ الى صاحب المسلحة. فأمرهنّ ان يسفرن. فامتنع ابراهيم. فجذبه فبدت لحيته فرفعه الى باب المأمون واحتفظ به الى بكرة. فلما كان الغد أقعد ابراهيم في دار المأمون والمقنعة في عنقه والملحفة على صدره ليراه بنو هاشم. ثم عفا عنه وامّنه ونادمه. وفي سنة سبع عشرة ومائتين سار المأمون الى بلد الروم فأناخ على لؤلؤة مائة يوم. ثم رحل عنها وترك عليها عجيفا. فخدعه أهلها وأسروه فبقي عندهم ثمانية ايام ثم أخرجوه. وفي سنة ثماني عشرة ومائتين كتب المأمون الى اسحق بن ابراهيم في امتحان القضاة والمحدّثين بالقرآن فمن أقر انه مخلوق محدث خلّى سبيله ومن أبى أعلمه به ليأمر فيه برأيه. وفي هذه السنة مرض المأمون مرضه الذي مات به لثلث عشرة خلت من جمادى الآخرة. وكان سبب مرضه انه كان جالسا على شاطئ البدندون واخوه ابو اسحق المعتصم عن يمينه وهما قد دلّيا أرجلهما في الماء. فبينما هو متعجب من عذوبته وصفائه وشدة برده إذ جاءته الألطاف من العراق وكان فيها رطب ازاذ كأنما جني تلك الساعة. فأكل منه وشرب من ذلك الماء فما قام الا وهو محموم وكانت منيته من تلك العلة. فلما انه مرض خلع أخاه القاسم المؤتمن وأخذ البيعة لأخيه ابي اسحق المعتصم وأمر ان يكتب الى البلاد الكتب من عبد الله المأمون امير المؤمنين وأخيه الخليفة من بعده ابي اسحق المعتصم بن هرون الرشيد. ولما حضره الموت كان عنده ابن ماسويه الطبيب.

وكان عنده من يلقّنه فعرض عليه الشهادة. فأراد الكلام فعجز عنه. ثم انه تكلم فقال:

يا من لا يموت ارحم من يموت. ثم توفي من ساعته. فحمله ابنه العباس واخوه المعتصم الى طرسوس [١] فدفناه بدار خاقان خادم الرشيد. وكانت خلافته عشرين سنة. وكان ربعة ابيض جميلا طويل اللحية رقيقها قد وخطه الشيب وقيل كان أسمر تعلوه صفرة.

وكان عمره ثمانيا وأربعين سنة.

قال القاضي صاعد بن احمد الاندلسي ان العرب في صدر الإسلام لم تعن بشيء من العلوم الا بلغتها ومعرفة احكام شريعتها حاشا صناعة الطب فإنها كانت موجودة عند


[١-) ] طرسوس ر طرطوس.