للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما في نفسه عليه إذ ظن ان ملك الروم ربما كان عمل شيئا من الحيلة فاستدعاه وأمر ان يخلع عليه وأخرج له توقيعا فيه اقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر حنين هذا الفعل. ثم قال له بعد أشياء جرت: أريد ان تصف لي دواء يقتل عدوا نريد قتله وليس يمكن إشهار هذا ونريده سرا. فقال حنين: ما تعلمت غير الادوية النافعة ولا علمت ان امير المؤمنين يطلب مني غيرها فان احبّ ان امضي وأتعلم فعلت. فقال:

هذا شيء يطول بنا. ثم رغبّه وهدّده وحبسه في بعض القلاع سنة ثم أحضره وأعاد عليه القول واحضر سيفا ونطعا. فقال حنين: قد قلت لأمير المؤمنين ما فيه الكفاية. قال الخليفة: فانني أقتلك. قال حنين: لي رب يأخذ لي حقي غدا في الموقف الأعظم.

فتبسم المتوكل وقال له: طب نفسا فاننا أردنا امتحانك والطمأنينة إليك. فقبّل حنين الأرض وشكر له. فقال الخليفة: ما الذي منعك من الاجابة مع ما رأيته من صدق الأمر منّا في الحالين. قال حنين: شيئان هما الدين والصناعة. اما الدين فانه يأمرنا باصطناع الجميل مع أعدائنا فكيف ظنّك بالاصدقاء. واما الصناعة فإنها موضوعة لنفع أبناء الجنس ومقصورة على معالجاتهم ومع هذا فقد جعل في رقاب الأطباء عهد مؤكد بإيمان مغلظ ان لا يعطوا دواء قتالا لأحد. فقال الخليفة: انهما شرعان جليلان.

وأمر بالخلع فافيضت [١] عليه وحمل المال معه فخرج وهو احسن الناس حالا وجاها.

وكان الطيفوري النصراني الكاتب يحسد حنينا ويعاديه. واجتمعا يوما في دار بعض النصارى ببغداد وهناك صورة المسيح والتلاميذ وقنديل يشتعل بين يدي الصورة. فقال حنين لصاحب البيت: لم تضيع الزيت فليس هذا المسيح ولا هؤلاء التلاميذ وانما هي صور. فقال الطيفوري: ان لم يستحقوا الإكرام فأبصق عليهم فبصق فأشهد عليه الطيفوري ورفعه الى المتوكل فسأله اباحة الحكم عليه لديانة النصرانية فبعث الى الجاثليق والاساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا حرم حنين فحرم وقطع زناره وانصرف حنين الى داره ومات من ليلته فجأة وقيل انه سقى نفسه سما. وكان لحنين ولدان داود واسحق. فاما اسحق فخدم على الترجمة وتولاها وأتقنها وأحسن فيها وكانت نفسه أميل الى الفلسفة. واما داود فكان طبيبا للعامة وكان له ابن اخت يقال له حبيش بن الاعسم احد الناقلين من اليوناني والسرياني الى العربي. وكان يقدمه على تلاميذه ويصفه ويرضى نقله. وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له فان اكثر ما نقله حبيش نسب الى حنين. وكثيرا


[١-) ] فافيضت ر فانصبّت.
ابن العبري- ١٠