وفي سنة ستّ وخمسين في صفر توفّي الفائز عيسى بن الظافر اسماعيل صاحب مصر وكانت خلافته ستّ سنين وولي الأمر بعده بمصر عبد الله بن يوسف بن الحافظ ولقب العاضد لدين الله وهو آخر الخلفاء العلويّين بالديار المصريّة. وفي سنة تسع وخمسين وخمسمائة هرب شاور وزير العاضد صاحب مصر من ضرغام الذي نازعه في الوزارة الى الشام ملتجئا الى نور الدين ومستجيرا به وطلب منه إرسال العساكر معه الى مصر ليعود الى منصبه ويكون له ثلث دخل البلاد. فتقدّم نور الدين بتجهيز الجيوش وقدم عليها اسد الدين شير كوه فتجهز وساروا جميعا وشاور في صحبتهم ووصل اسد الدين والعساكر الى مدينة بلبيس. فخرج إليهم أخو ضرغام بعسكر المصريين ولقيهم فانهزم. وخرج ضرغام من القاهرة فقتل وقتل اخوه ايضا. وخلع على شاور وأعيد الى الوزارة. وأقام اسد الدين بظاهر القاهرة فغدر به شاور وعاد عمّا كان قرّره لنور الدين وأرسل الى الفرنج يستمدّهم فسارعوا الى تلبية دعوته ونصرته وتجهزوا وساروا.
فلما قارب الفرنج مصر فارقها اسد الدين وقصد مدينة بلبيس وجعلها ظهرا يتحصن به فحصره بها العساكر المصرية والفرنج ثلاثة أشهر وهو يغاديهم القتال ويراوحهم فلم يبلغوا منه غرضا. فراسل الفرنج اسد الدين في الصلح والعود الى الشام فأجابهم الى ذلك وصار الى الشام.
وفي سنة ثلث وستين وخمسمائة فارق زين الدين عليّ بن سبكتكين النائب عن قطب الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل خدمة صاحبه بالموصل وسار الى إربل وكان هو الحاكم في الدولة واكثر البلاد بيده. فلما عزم على مفارقة الموصل الى بيته باربل سلّم جميع ما كان بيده من البلاد الى قطب الدين مودود وبقي معه اربل حسب.
وكان شجاعا عادلا حسن السيرة سليم القلب كثير العطاء للجند وغيرهم مدحه الحيص بيص بقصيدة فلما أراد ان ينشده قال: انا لا اعرف ما تقول ولكني اعلم انك تريد شيئا. وأمر له بخمسمائة دينار وفرس وخلعة سنيّة وثياب مجموع ذلك ألف دينار ولم يزل باربل الى ان مات بها هذه السنة.
وفي سنة اربع وستين وخمسمائة ملك نور الدين قلعة جعبر. وملك اسد الدين شير كوه مصر وقتل شاور الوزير. ولما ثبت قدم اسد الدين وظنّ ان لم يبق له منازع أتاه اجله فتوفّي يوم السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة وكانت ولايته شهرين.
واما ابتداء امره فانه كان هو واخوه نجم الدين أيوب ابنا شاذي من بلد دوين [١]
[١-) ] دوين بلدة من نواحي أران في آخر حدود اذربيجان بالقرب من تفليس.