للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وألقى اللاكة وحلف انه لا يعود يقاتل عليها انفة حيث ضرب بها. فلما رأى صلاح الدين انه لا ينال من الموصل غرضا ولا يحصل على غير العناء والتعب سار عنها الى سنجار وملكها. وفي سنة تسع وسبعين ملك صلاح الدين مدينة آمد وسلّمها الى نور الدين محمد بن قرا ارسلان صاحب الحصن وكان صلاح الدين قد نزل بحرزم [١] وطمع ان يملك ماردين فلم ير لطمعه وجها فسار عنها الى آمد على طريق البارعية.

وفيها سار صلاح الدين الى حلب فنزل بجبل جوشن وأظهر انه يريد يبني مساكن له ولأصحابه وعساكره. فمال عماد الدين زنكي الى تسليم حلب وأخذ العوض عنها فتقرّر الصلح على ان يسلّم حلب الى صلاح الدين ويأخذ عوضها سنجار ونصيبين والخابور والرقّة وسروج. وجرت اليمين على ذلك فباعها باوكس الأثمان أعطى حصنا مثل حلب وأخذ عوضها قرى ومزارع فقبّح الناس كلهم ما اتى.

وفي سنة ثمانين وخمسمائة مات قطب الدين بن ايلغازي بن نجم الدين البي بن تمرتاش ابن ايلغازي بن ارتق صاحب ماردين وملك بعده ابنه حسام الدين يولق [٢] ارسلان وهو طفل وكان شاه ارمن صاحب خلاط خال قطب الدين فحكم في دولته بعد موته فرتّب نظام الدين التقش [٣] مع ولده وقام بتربيته وتدبير مملكته وكان ديّنا خيّرا فأحسن تربية الولد وتزوّج امّه فلما كبر الولد لم يمكّنه النظام من مملكته لخبط وهوج كان فيه.

ولم يزل الأمر على ذلك الى ان مات الولد وله أخ أصغر منه لقبه قطب الدين فرتّبه النظام في الملك وليس له منه الا الاسم والحكم الى النظام والى مملوك له اسمه لؤلؤ فبقي كذلك الى سنة احدى وستمائة. فمرض التقش النظام فأتاه قطب الدين يعوده فلما خرج من عنده خرج معه لؤلؤ فضربه قطب الدين بسكين معه فقتله. ثم دخل الى النظام فقتله ايضا وخرج وحده ومعه غلام له وألقى الرأسين الى الأجناد فأذعنوا له بالطاعة واستولى على قلعة ماردين وقلعة البارعيّة والصّور وحكم فيها وحزم في أفعاله.

وفي سنة احدى وثمانين وخمسمائة حصر صلاح الدين الموصل مرّة ثانية فسيّر أتابك عزّ الدين صاحبها والدته اليه ومعها ابنة عمّه نور الدين محمود وغيرهما من النساء وجماعة من اعيان الدولة يطلبون المصالحة. وكلّ من عنده ظنّوا انهنّ إذا طلبن منه الشام اجابهنّ الى ذلك لا سيما ومعهنّ ابنة مخدومه ووليّ نعمته نور الدين. فلما وصلن


[١-) ] حرزم بليدة في واد ذات نهر جار وبساتين بين ماردين ودنيسر من اعمال الجزيرة.
[٢-) ] يولق ر بولق س [؟] .
[٣-) ] كذا في الأصل. والصواب البقش.