قد تخلّف من المصريّين تمموه هم والملك مشتغل بالهمّ والغمّ على ما جرى على ولديه وأصحابه وبلده. وكانت المضرّة منهم اشدّ وأصعب. واما حاتم ملك الأرمن فانه شرع يخاطب البندقدار في خلاص ولده ويعده بالأموال والمدن والقلاع الى غير ذلك.
فجاويه: ان نحن ما لنا رغبة في الأموال والمدن وغيرها. وانما لنا شخص صديق أسير عند المغول يسمّى سنقر الأشقر تخلّصه وتسيّره وتأخذ ولدك. ففعل ذلك وخلّص ولده. وذلك انه في سنة ثماني وستين وستمائة قصد الملك حاتم خدمة ملك الأرض اباقا وبكى لديه وطلب منه سنقر الأشقر ليخلّص به ولده. فرحمه ورقّ لبكائه وقاله له:
تمشي الى بلدك تستريح ونحن نطلب هذا سنقر من ايّ مكان هو فيه ونسيّره إليك.
فعاد حاتم من خدمة اباقا. وكان امير من أمرائه سبقه الى بلده في مهمّ له فاجتاز به بروانة فاستشار به انه يريد يخطب لنفسه ابنة الملك حاتم. فأجابه بان الملك حاتم واصل عقيبنا إليكم فأنتم التقوه وأحسنوا اليه وهو يجيبكم الى ذلك. ولما وصل الملك حاتم الى بروانة وقد جمع بروانة اكابره والتقاه احسن ملتقى وأكرمه وقدّمه له تقدمات نفيسة الى ان خجل الملك حاتم بحيث لم يعلم ما الذي أوجب هذا الإسراف في خدمته. فلما اظهر بروانة ما في قلبه اجابه بالسمع والطاعة واظهر له الفرح والبشاشة والغبطة وقرّر معه انه لا يمكن التعريس قبل خلاص اخي البنت فإذا خلّص نفعل ذلك ان شاء الله تعالى.
وفي سنة تسع وستين وستمائة وصل سنقر الأشقر من بلاد سمرقند الى الملك حاتم وهو سيّره الى البندقدار مكرّما وأوهبه وأعطاه. ثم ان البندقدار سيّر له ولده ايضا بحرمة عظيمة وخيّالة كثيرة. وفي هذه السنة حاصر البندقدار مدينة انطاكية وأخذها وقتل فيها وسبى واحرق كنائسها المشهورة في العالم. وفيها توجه الملك حاتم الى اباقا وشكر ودعا له على خلاص ولده من الأسر واستقال من السلطنة وطلب ان يكون ولده موضعه وانه شيخ عاجز. فقال له: انه إذا حضر عندنا نحن نملّكه. فتوجّه الى بلده وسيّر ولده الى عبودية اباقا.
وفي سنة سبعين وستمائة في شهر نيسان تزلزلت الأرض في بلاد الأرمن وخربت قلاع كثيرة ومات فيها مائة ألف نفر من الناس غير الدوابّ. وفي سنة خمس وسبعين وستمائة نزل اباقا الى بغداد ليشتّي بها وصار غلاء عظيم ومجاعة وعزّت الأسعار.
وفي هذا التاريخ توفي خواجا نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب الرصد بمدينة مراغة حكيم عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة. واجتمع اليه في الرصد جماعة