والمسيحيين لأن عقيدته السياسية كانت تأمره بذلك وتدعوه إلى النضال المتواصل في سبيل الوحدة ضمن الديمقراطية والأخوة في إطار العدالة.
إن هذه العقيدة السياسية نفسها التي ظلت تقود خطاه منذ ثلاثينات هذا القرن. ويرى أنه استطاع، بفضل صدقه في العمل وإخلاصه للمبادئ والمثل العليا، أن يحقق الكثير في مجال تقريب وجهات النظر وميادين الترقية الاجتماعية وتهدئة الخواطر وتوحيد معظم ذوي الإرادة الخيرة في البلاد، لكن الإدارة الاستعمارية بتآمرها مع الرجعية والامبريالية حالت دون تواصل المسعى واتخذت من مايو ١٩٤٥ وسيلة لتوسيع الهوة بين المجموعتين الإسلامية والفرنسية، وذريعة للقضاء على حركة أحباب البيان والحرية التي أجمع قضاة التحقيق على أنها بالإضافة إلى كونها لم تنظم أية مظاهرة، قد اكتفت بالدعوة إلى الهدوء والانضباط في إطار الشرعية الجمهورية" (٣).
ولئن كانت سياسة التوحيد قد انهارت ومعها جهود المصالحة الوطنية، ووقع حل حركة أحباب البيان والحرية، فإن روح البيان، يقول عباس، لم تمت وبفضلها اتضحت الرؤية وأصبحنا قادرين على التمييز بين ما كان عليه من حالة القبول الإمعي المعمي ومايجب أن نرقى إليه وصولاً إلى الوطن الجزائري الذي تتوفر فيه شروط المساواة والحرية للجميع (٤).
والوصول إلى الوطن الجزائري يستلزم سياسة ترتكز على برنامج جعل في مقدمته: لا للاندماج، لا لسادة جدد ولا للانفصال، وعلى الرغم من أن هذه اللاءات لا تتضمن الشحنة الثورية اللازمة لاسترجاع الاستقلال الوطني، إلا أن تبنيها، في ذلك الوقت، من طرف السيد فرحات عباس كان يعتبر انتصاراً كبيراً بالنسبة للحركة الوطنية خاصة وأن حزب الشعب الجزائري كان عند تأسيسه، قد رفع نفس الشعار من أجل استمالة من كانوا يسمون بالمعتدلين، علماً بأن ذلك اعتبر في وقته، انحرافاً وقاد إلى استقالة السيد عمار عيمش الذي كان مساعداً للسيد الحاج مصالي (٥). أما تبني السيد عباس لذات الشعار، فإن المقصود منه لم يكن سوى مراعاة الرأي العام الفرنسي، كان مناهضاً لفكرة الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لتقويض أركان الاستعمار.
ومن جهة أخرى تضمن البرنامج المذكور مجموعة من المحاور ارتأى عباس أنها ضرورية لتشييد الجزائر "على أسس واقعية وتاريخية تكون كفيلة بأن تعبد لها طريق الديمقراطية العالمية" (٦). ومن أهم تلك المحاور ما يلي:
١ - المساواة المطلقة: ويكون ذلك بواسطة القضاء على الاختلافات العرقية