إلى الرشق بالحجارة. وعند الساعة السابعة قام أكثر من ألف رجل بتطويق الثكنة وأمطروها بوابل من نيران الأسلحة الفردية والأوتوماتيكية. ثم أتلفوا قنوات المياه وخط الكهرباء. وقد كان عملهم يتميز بانضباط عسكري بحت. وفي الساعة العاشرة وعشرين دقيقة تدخلت مجموعتان من الطائرات المطاردة، لكن المهاجمين بادروا إلى إطلاق نيران مكثفة على جميع فتحات الثكنة. وفي نفس الوقت قام حوالي مائة منهم بالدخول إلى الطابق الأرضي مضطرين المدافعين على اللجوء إلى
الطابق الأول. وأشعلت النار في الأسطبل وفي المخازن ... وفي يوم ١٠/ ٥/١٩٤٥ تدخلت وحدات عسكرية متنقلة لتشتيت المحاصرين الذين كانوا يستعدون لتفجير الثكنة بواسطة ما اقتنوه من متفجرات" (٩٦).
[عمليات الإبادة وتشغيل الأفران]
كانت عمليات القمع رهيبة. ونحن نعتقد، رغم كل مانشر، أن نتائجها لم تضبط حتى الآن، ولايمكن أن تحصر بصفة دقيقة ونهائية، لكن الذي لايعتريه أدنى شك هو أنها تأتي في مقدمة جرائم الحرب المرتكبة ضد الإنسانية، قبل كل الجرائم التي تحظى اليوم بعناية المؤرخين ورعاية الدول العظمى والمنظمات الدولية وخاصة منها منظمة الأمم المتحدة.
فالأفران المحرقة شغلت نواحي مدينة قالمة: ومازال الشعب يذكر، بألم وحسرة، كيف كانت تبتلع بنهم مئات الجثث الطاهرة البريئة. غير أن العالم، اليوم، لايتحدث إلا عن الأفران التي قد يكون الألمان استعملوها لحرق اليهود أثناء الحرب الامبريالية الثانية. كما أن وسائل الإعلام الدولية ترفض أن تتوقف عند الأفران الأولى التي أقامها الجيش الاستعماري في منطقة الضهرة ليحرق قبيلة أولاد رياح مع معظم حيواناتهم الأليفة.
إن الوحشية الاستعمارية لم تتغير كثيراً خلال قرن كامل من السيطرة والاضطهاد والاستغلال، ولم تتغير كذلك سلوكات الضباط الفرنسيين وتصرفاتهم إزاء الجزائريين. ويكفي للتدليل على مانقول أن نسوق فيما يلي اعترافات الجنرال كافينياك (Cavaignac) حول مافعله لإبادة قبيلة بني صبيح سنة ١٨٤٤. قال الجنرال:"لقد تولى الأجناد جمع كميات هائلة من أنواع الحطب ثم كدسوها عند مدخل المغارة التي حملنا قبيلة أولاد صبيح على اللجوء إليها بكل ماتملك من متاع وحيوانات. وفي المساء أضرمت النيران وأخذت الاحتياطات كي لايتمكن أي كان من الخروج حياً"(٩٧).