أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فإنها هي الأخرى، قد استعملت غطاء أحباب البيان لتقييم مسيرتها وبلورة أفكارها وآرائها من خلال مذكرة مفصلة وجهتها بتاريخ ١٥/ ٨/١٩٤٤ إلى السلطات الفرنسية.
إن جمعية العلماء، تقول المذكرة، ترى أن تسيير المساجد وسائر المؤسسات الإسلامية يجب أن يكون من اختصاص الجماعة الإسلامية، وأن الأوقاف ينبغي أن تخرج من قبضة الإدارة الاستعمارية حتى يتسنى للمشرفين عليها أن ينفقوا مدخولاتها في سد الحاجات الدينية والاجتماعية بعيداً عن كل تدخل أجنبي مهما كان نوعه - والشعب المسلم في الجزائر أولى من غيره باختيار أئمته ودعاته وأساتذته وقضاته وبما أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مسؤولة على رسالتها أمام الله وأمام كافة أفراد الشعب، فإنها ترفع إلى السلطات الفرنسية، فيما يلي، موقفها من الموضوعات الحيوية الثلاثة التالية:
١ - تطبيق مبدأ فصل الدين الإسلامي عن الإدارة.
في مرحلة الاستعمار الأولى قامت الحكومة الفرنسية باتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير استحوذت، بموجبها، على المساجد والأوقاف التابعة لها، موهمة الناس بأنها تسعى إلى توفير الشروط اللازمة ليكون الإسلام محترماً طبقاً لمعاهدة الاستسلام، غير أن التاريخ بين عكس ذلك وأثبت أن الإدارة الفرنسية لم تترك أي مجال لتنفس المسلمين وحينما جاءت الجمهورية الثالثة ورفعت شعار فصل الدين عن الدولة، فإن المؤسسات الإسلامية لم تستفد من ذلك، وحتى عندما صدر مرسوم ٢٧ سبتمبر ١٩٠٧، فإن الإدارة الاستعمارية لم ترفع يدها عن تلك المؤسسات بل إنها صارت تتفنن في إذلال المسلمين وإهانتهم إلى درجة أنها لم تعد تستحي من تشكيل الجمعيات الدينية وتعيين المشرفين عليها من بين المسيحيين والأميين. وعلى إثر الحرب الإمبريالية الأولى أصبحت المناصب المالية في المساجد خاصة. تسند إلى قدماء المحاربين بقطع النظر عن تكوينهم
وانتماءاتهم ثم جاء بيان الجنرال كاترو المؤرخ بيوم ٤/ ٨/١٩٤٤ والمبشر بتطبيق المرسوم المذكور أعلاه، فاستبشر المسلمون خيراً لكنهم سرعان ما خاب ظنهم عندما أقدمت الإدارة في نفس الإسبوع على تعيين مفتي الجزائر بالطريقة القديمة ووفقاً للمعايير الاستعمارية المعهودة.