الذي ينتخب المؤسسات والهيئات الوطنية القارة، فإن الولايات الأولى والخامسة والسادسة قد طلبت مهلة للتشاور مع مجالسها. لكن ابن بلة الذي استجاب لرغبتهم لم ينتظر عودتهم إلى تلمسان وفاجأ الجميع في اليوم الثاني والعشرين من الشهر ذاته بالإعلان عن تأسيس المكتب السياسي مشكل من سبعة أعضاء هم: أحمد بن بلة، محمد خيضر، رابح بيطاط، حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، محمدي السعيد والحاج بن عله.
ورغم المفاجأة والإعلان الأحادي، فإن موقف الحكومة المؤقتة والولايات كان متزناً إلى أبعد الحدود إذ لم يشترط سوى استدعاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية وإنهاء حالة الحصار المفروضة على قسنطينة. لكن ابن بلة كان يعرف عواقب ذلك الشرط، وعليه فإنه أمر باحتلال قسنطينة بواسطة جيش الحدود وقرر أن المكتب السياسي هو البديل للمجلس الوطني للثورة الجزائرية (١).
وفي اليوم الموالي وهو اليوم السادس والعشرون من شهر جويلية أعلن السيدان محمد بوضياف وبلقاسم كريم عن معارضتهما، وشكلا، في تيزي أوزور، اللجنة الوطنية للدفاع عن الثورة محددين لها مهمة التحضير للمؤتمر وللانتخابات التشريعية.
وترتب عن الإعلان المذكور دخول الطرفين في مفاوضات تخللتها أحداث كثيرة وقادت في النهاية إلى إبرام اتفاق بين المعنيين في اليوم الثاني من شهر أوت. وبمقتضى ذلك الاتفاق تراجع السيد بوضياف عن استقالته من المكتب السياسي الذي كلف، دون غيره، بإعداد قوائم الانتخابات وبتولي المهام التي كانت مسندة إلى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. وفي اليوم العشرين من شهر سبتمبر توجه الشعب الجزائري إلى صناديق الاقتراع وزكى القوائم المقدمة له والمكون لأول مجلس تأسيسي ترأسه السيد فرحات عباس، وانبثقت عنه أول حكومة برئاسة السيد أحمد بن بلة.
[مواجهة الأوضاع الموروثة عن الاستعمار]
إن مائة واثنتين وثلاثين سنة من الاستعمار الاستيطاني لاتمحي آثارها بكل سهولة ولا تمحي آثارها السلبية سوى ثورة مستمرة لاتتوقف حتى بعد وقف إطلاق النار لأن الأمر لم يكن يتعلق بتحرير الأرض ولكنه كان يعني الإنسان
(١) بوبنيدر (صالح صوت العرب) مقابلة أجريتها معه في بيته يوم ٢١/ ٠٥/١٩٨٥.