للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق كل شيء. فتحرير الإنسان أكثر أهمية ويتطلب مجهوداً ونفساً أطول.

فالاستعمار الفرنسي، كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الأول من الباب الأول، قد ركز، منذ العشرينات من هذا القرن خاصة، على تكوين إنسان متشبع بالثقافة الغربية ومجرد من كل عناصر الشخصية الوطنية. وتضاعف ذلك التركيز بعد أن وضعت الحرب الامبريالية الثانية أوزارها، وكذلك أثناء فترة الكفاح المسلح ليصل إلى أوج مايمكن أن يصل إليه عند وقف إطلاق النار. وصحب هذه العملية توسيع شبكة تعليم اللغة الفرنسية وتمكين متعلميها من التمتع بكثير من الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية. ولا يخفى على أحد أن اللغة ليست مجرد ناقل محايد أو وسيلة تبليغ لاغير، لكنها وعاء حضاري وأيديولوجي من الطراز الأول.

وعندما أعلن المجلس الوطني التأسيسي عن ميلاد الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في اليوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر سنة اثنين وستين وتسعمائة وألف كان الوضع في الجزائر يتميز بخاصيات من أهمها ما يلي:

١ - نسبة مرتفعة من الأمية قدرت بأكثر من ٨٠% (١). أما الخمس الباقي فجله من انصاف المتعلمين الذين صنعهم الاستعمار على عجل ليكونوا امتداده الطبيعي الذي يعتمد عليه في مواصلة عملية المسخ والتشويه والتنزيف.

٢ - إسلام مشوه غلبت عليه الخرافة والدروشة (٢) ولم يبق منه سوى جانب العبادات الذي تعرض بدوره إلى كثير من التحريف بحيث لم تعد الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، ولا شهادة تسمح بتوحيد الإله ولا الصوم قادر على أداء وظيفته الاجتماعية. أما الحج فحدث ولاحرج، وأقل مايقال عنه أنه أصبح وسيلة تجارية وسياحية في أحسن الحالات.

٣ - تقاليد وعادات ونمط وسلوكات يومية لاعلاقة لها بشخصيتنا الوطنية.

٤ - لغة وطنية مهملة، ممقوتة ومطاردة على الرغم من حيويتها وقدرتها على التكيف وتمكنها من استيعاب العلوم بأنواعها والتقنيات المختلفة.

٥ - علاقات اجتماعية مهلهلة أساسها الخوف والنفاق والمراوغة والمداهنة.


(١) الزبيري (محمد العربي) الغزو الثقافي في الجزائر من سنة ١٩٦٢ إلى سنة ١٩٨٢، الطبعة الأولى المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر ١٩٨٣، ص٢١.
(٢) الإبراهيمي (محمد البشير) عيون البصائر، ص١٢٨، وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>