ولقد كانت السلطات الاستعمارية التي عايشت عن كثب تلك الأحداث والتطورات، تعرف أنها أمام حركة سياسية نوعية استطاعت أن تنفذ بسرعة
وبحكمة إلى جميع الأوساط الشعبية، وتمكنت من نشر الوعي اللازم لجر الجماهير الواسعة إلى العمل الثوري بجميع أنواعه ومن إقناعها بالإقدام على التضحية القصوى في سبيل استرجاع الاستقلال الوطني الكامل. لأجل ذلك، فإنها لم تبق مكتوفة الأيدي. وبقدر ما كانت تعمل على خرق الصفوف الوطنية ومضايقة الإطارات القيادية وملاحقتهم، فإنها كانت تستعد الاستعداد اللازم لاقتلاع جذور الحركة الاستقلالية في أول فرصة تتاح لها. ويتمثل استعداد تلك السلطات الاستعمارية في العمل على جبهتين أساسيتين هما:
١ - الجبهة السياسية التي خصصتها لزرع بذور الشقاق في صفوف حركة أحباب البيان والحرية بقصد فصل من كانوا يسمون بالمعتدلين والمنتخبين عن مناضلي الحركة المصالية. وقد استعملت الإدارة الفرنسية في هذه الجبهة، جميع مالديها من وسائل الترغيب والترهيب (٨٣) كما أنها لم تتردد في اللجوء إلى توظيف الجهوية والعشائرية والانتماءات الفكرية والثقافية.
٢ - الجبهة المادية التي خصصتها لإعداد وسائل القمع الضرورية لإنجاز مهمة الاستئصال ولتوفير الإمكانيات العسكرية والأمنية اللازمة لخنق بوادر الثورة في الوقت المناسب. ومن جملة الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الاستعمارية بهذا الصدد نذكر على سبيل المثال:
أ - حصر المناطق التي تجمع التقارير المخابراتية على أنها أوكار للحركة المصالية العاملة على تحقيق الانفصال عن فرنسا بواسطة استرجاع السيادة الوطنية المغتصبة سنة ١٨٣٠. وحسب تلك التقارير، فإن المناطق الأكثر خطورة هي: الجزائر العاصمة، الشمال القسنطيني، القبائل الكبرى والقبائل الصغرى، وهران، تلمسان والأوراس.
ب - تدريب قوات الجيش الفرنسي المرابطة بالمناطق المذكورة على التصدي لحرب العصابات. ويذكر بايا (٨٤) (Paillat) إن تلك القوات كان تعدادها يزيد عن ستين ألف جندي وضابط، وأن أول تدريب