ابن يوسف بن خدة والتي جاء فيها أن التعليمات المذكورة تضمنت أمر المناضلين برفع الأعلام الوطنية وكذلك أعلام الحلفاء بما في ذلك العلم الفرنسي (٨٢)، ومهما يكن من أمر، فإن كل المسؤولين والمناضلين يؤكدون أن حزب الشعب الجزائري قد أعد منشوراً في الموضوع ووزعه يوم ٦/ ٥/١٩٤٥ في الجزائر العاصمة وفي أهم مدن البلاد وقراها.
ولقد تضمن المنشور المذكور دعوة جميع المناضلين إلى رفع الأعلام الوطنية وكذلك عدداً من اللافتات التي تعبر عن المطالبة بتحرير الشعب الجزائري وإطلاق سراح الحاج مصالي وسائر المعتقلين السياسيين، وعن التنديد بالاستعمار والامبريالية بجميع أشكالها. وفي الواقع، فإن جميع المسيرات الشعبية بما في ذلك تلك التي أشرفت على تنظيمها فروع حركة أحباب البيان والحرية، قد وظفت نفس الشعارات لأن مناضلي حزب الشعب الجزائري كانوا، في كل الحالات، هم المحرك الرئيسي للمظاهرات.
على هذا الأساس، ومن هذا المنطلق، نستطيع الجزم بأن قيادة حزب الشعب الجزائري السرية هي مصدر الأمر بتنظيم المسيرات الشعبية والمشاركة فيها بمناسبة الاحتفالات بعيد الانتصار على النازية، وإذا كانت القيادات المحلية لحركة أحباب البيان والحرية، في جل الأماكن، هي التي أشرفت مباشرة على العملية، فلأنها كانت، في معظمها، مكونة من إطارات قيادية من الحزب المذكور وهي، في تحركها، إنما كانت تطبق التعليمات الصادرة عن قيادتها الأساسية، لأن القيادة العليا لحركة أحباب البيان والحرية لم تتلق موافقة السلطات الاستعمارية ولم تكن مستعدة لخرق القانون.
ولقد كان حزب الشعب الجزائري يهدف، من خلال تنظيم المسيرات الشعبية، إلى لفت انتباه الحلفاء عامة وحكومة الجنيرال ديغول بصفة خاصة، إلى الواقع الجديد الذي آل إليه الشعب الجزائري وهو واقع الاستعداد المطلق لتحمل مسؤولياته كاملة في تسيير شؤونه بنفسه.
ومن الجدير بالذكر، أن ذلك الواقع الجديد لم يتشكل دفعة واحدة بل هو حصيلة كل الأحداث والتطورات التي وقعت خاصة أثناء الحرب الامبريالية الثانية، والتي تعرضنا إليها بإيجاز كبير في الصفحات السابقة، ويمكننا، بعد التدقيق والتمحيص، أن نقول عنها إنها ممهدات الثورة من أجل استرجاع السيادة الوطنية.