التعريف بمشروع الدستور الجزائري والدفاع عنه والعمل على تعميمه، فكرة وهدفاً، في أوساط الجماهير الشعبية ولدى الرأي العام الفرنسي بجميع مكوناته، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن الأعضاء القياديين كانوا يلجأون إلى علاقاتهم الشخصية قصد النفاذ إلى ميادين الإعلام الفرنسي.
وفيما يخص منبر المجلس التأسيسي، فإن الصراع كان مريراً بسبب نشاط غلاة الكولون الذين تمكنوا، بفضل إمكانياتهم المادية، من تعبئة جميع الأوساط السياسية الفرنسية كي تغلق جميع الأبواب في وجه نواب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وأن إطلالة سريعة على فحوى المداولات المنشورة على أعمدة الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية خلال السداسي الأخير من سنة ١٩٤٦ والسداسي الأول من عام ١٩٤٧، تكفي وحدها للتدليل على ماكان يلقاه عباس ورفاقه من معاناة للتعبير عن آرائهم المجسدة لفكرة الجمهورية الجزائرية المستقلة. فعلى سبيل المثال، فقط، نذكر أن الدكتور سعدان، في جلسة المجلس التأسيسي الثاني المنعقدة بتاريخ ٢٢/ ٠٨/١٩٤٦، قد حاول الحديث مطولاً عن الظاهرة الوطنية في الجزائر لكنه منع من ذلك بواسطة المقاطعات ووسائل الإزعاج المختلفة. وفي اليوم الموالي تدخل رئيس الجمهورية المؤقتة السيد جورج بيدو (٢٧) Georges Bidault وختم مداخلته قائلاً: "إن فرنسا ستبقى في الجزائر، لأنها فرنسا ولأنها إنسانية"(٢٨).
وبعد انتخابات المجلس الوطني الفرنسي وما تخللها من عمليات التزييف والتحليل في تفسير القوانين ابتكرت الإدارة الاستعمارية أسلوباً جديداً في التعامل مع الحركة الوطنية التي أصبحت، بالفعل، تحظى بتأييد أغلبية الشعب الجزائري، وقد تميز ذلك الأسلوب بقرار اتخذته وزارة الداخلية يلغي انتخاب أعضاء مجلس الجمهورية بواسطة الاقتراع العام، ويسند تلك المهمة الخطيرة إلى المستشارين في البلديات كاملة الصلاحيات ورؤساء الجماعات في البلديات المختلطة الذين كانوا قد انتخبوا في شهري يوليو وأغسطس (تموز/يوليو/آب/)، سنة ١٩٤٥ (٢٩).
وبما أن الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية كانت تعرف أن أولئك المنتخبين موالون، في أغلبهم للإدارة الاستعمارية، فإنها فضلت عدم تقديم مرشحين عنها للمجلس الجمهوري، الأمر الذي فسح المجال للسيد فرحات عباس فبادر إلى دخول المعركة وخرج منها منتصراً حيث انتزع حزبه أربعة مقاعد من جملة السبعة المخصصة للمجموعة الثانية. (٣٠).