أعطيت التعليمات للمسؤولين، على جميع المستويات، كي يمنعوا ممثلي الحركة الوطنية من مراقبة سير الاقتراع ومن المشاركة في عملية الفرز، وأذن لهم، في حالة
ظهور أدنى مقاومة، أن يستعملوا ضدهم مختلف أنواع العنف بما في ذلك الضرب والاعتقال وحتى القتل في الحالات المعقدة.
ففي هذا السياق، وضعت العدالة تهمتين يمكن إلصاقهما بكل من يراد حبسه. فهناك، أولاً، المساس بأمن الدولة وسيادتها إذا كان المتهم مناضلاً بارزاً أو إطاراً في حزب الشعب الجزائري. أما إذا كان مناضلاً بسيطاً أو من المحبين فقط فتهمته الإخلال بالنظام العام، وفي الحالتين يطبق القانون دون إعمال الظرف المخفف.
وبالرجوع إلى "الجمهورية الجزائرية" في عدديها الصادرين بتاريخ ٩ و ١٦/ ٤/١٩٤٨.
يجد الدارس نماذج متعددة من الاعتداء على حرية الانتخاب. فأحياناً تفتح الإدارة المكاتب في بيوتات بعض الأعيان الذين يغلقون أبوابهم إلا على الأصدقاء. (٤٥) وأحياناً أخرى تنقل المكاتب من أماكنها الرسمية دون إشعار المواطنين (٤٦). وفي أثناء الفرز يؤتى بصناديق جديدة مملوءة بأصوات أغلبيتها الساحقة لفائدة مرشحي الإدارة. وبالإضافة إلى كل هذه الإجراءات الاستبدادية كان الأجناد وأفراد الشرطة بأنواعها والجندرمة ورجالات الإدارة يلاحقون المنتخبين ويستعملون شتى الوسائل لإرغامهم على عدم إعطاء أصواتهم لمرشحي الحركة الوطنية الذين هم "عملاء ستالين والشيوعية"(٤٧) والذين لاهمَ لهم سوى "العمل على تحويل الجمعية الجزائرية إلى مجلس تأسيسي يرسي قواعد الدولة الجزائرية المستقلة"(٤٨).
كل هذه الإجراءات العسفية لم تنل من عزم المناضلين على الذهاب إلى أبعد الحدود في العمل من أجل تجسيد تعليمات الحزب على أرض الواقع، كما أنها لم تمنع إراقة الدماء بل إنها ساعدت كثيراً على تعبئة الطاقات الحية في البلاد كرد فعل للتدليل على أن جماهير الشعب في الجزائر تسير وراء حركتها الوطنية وأنها مستعدة للتضحية القصوى من أجل إقامة الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الاجتماعية.
ومن الجدير بالذكر أن المعارك التي طبعت يوم الانتخابات والتي جرت بين أفراد القوات المسلحة الفرنسية وجحافل المواطنين في أماكن عديدة من أنحاء الوطن قد أسفرت عن استشهاد كثير من الجزائريين وجرح أعداد كبيرة