الأوربي إلى أحدهما منشرح الصدر، باسم الثغر، حرّ التصرف مطلق الإدارة والاختيار، فيعطي ورقته لمن يشاء، معتقداً أنه أدّى شهادة خالصة للحق لم يراع فيها إلا مصلحة جنسه ورضى ضميره ... ويدخل العربي إلى الآخر خائفاً وجلا منزعجاً،
مسلوب الإرادة والحرية، لا يرى حوله إلا إرهاباً وسلاحاً وألسنة تتوعد، وأيديا تتهدد وأعينا ترمي بالشرر، فيعطي ورقته لمن يراد منه لا لمن يريد .. إن من يرى هذا المنظر لا يعجب إذا رأى بعد ذلك أن الفائزين في الصندوق الأول نواب وإن اختلفوا في المبادئ، وأن الفائزين في الصندوق الثاني نوائب وإن سموا أنفسهم مستقلين" (٢٨).
لكن الأعضاء المسلمين في الجمعية الجزائرية لم يكونوا مؤهلين للنظر في المسألة بغير المنظار الذي يريده الاستعمار، وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود الجمعية الجزائرية نفسه يتناقض مع فصل الدين عن الحكومة لأنه مؤسس على ضرورة تأبيد الواقع الاستعماري. لأجل ذلك، وعلى الرغم من نداء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن المقالات المنشورة على أعمدة المنار بأقلام مختلفة المشارب السياسية والمنطلقات الإيديولوجية، والداعية جميعها إلى وجوب تحرير الدين الإسلامي وتمكينه من استرجاع أوقافه ومساجده، فإن لجنة الديانة قد لجأت إلى المماطلة زاعمة على لسان رئيسها أن "التريث فيه مصلحة للقضية". (٢٩).
ومرت الدورة العادية ودار لقمان على حالها. وكتب الشيخ العربي التبسي بصفته النائب الأول لرئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على أعمدة المنار في عددها الثالث عشر الصادر بتاريخ ١٢/ ١٢/١٩٥٢، لو كان هؤلاء السادة من علماء الفقه الإسلامي لأسمعونا حكم الله في تأخير هذه المسألة وفي العبادات المعطلة انتظاراً لهذا الفصل، ولأسمعونا، أيضاً، حكم الله في الصلوات التي تؤدى في هذه المساجد قبل الفصل ... إن هذا التأخير اعتداء صريح متعمد على الشريعة الإسلامية وعلى معابدها".
وإلى جانب كل هذا النشاط السياسي، فإن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تتوقف عن أعمالها التربوية، بل ماكاد يطلق سراح الشيخ محمد البشير الإبراهيمي على إثر العفو الشامل، بتاريخ ١٦/ ٠٣/١٩٤٦،حتى عادت المدارس التي كانت معطلة بقرار حكومي ونشطت النوادي وعمرت المساجد ومن جديد بعثت جريدة البصائر التي كان تعطيلها مع بداية الحرب بأمر من الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس نفسه.