ترك فكرة التسليح مؤقتاً، وراح يقوم بحملة توعية واسعة النطاق في أوساط مناضلي الحركة المذكورة إلى أن تمكن من استمالة عدد كبير منهم سمح له بإنشاء هياكل جبهة التحرير الوطني وإرساء قواعدها الثابتة التي ستبرهن على نجاعتها فيما بعد.
وأمام هذه الظروف الطارئة، فإن قيادات المناطق، حيث تأجج لهيب الثورة قد لجأت إلى الاعتماد على النفس وراحت تأمر بمضاعفة الجهود في مجال صنع المتفجرات التقليدية وجمع ما أمكن من الذخيرة والأسلحة التي كانت بين أيدي المواطنين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى رفعت شعار:
"سلاحنا نفتكه من عدونا"، وهو شعار أتى بنتائج إيجابية معتبرة." (١)
وإلى جانب هذين الإجرائين الحكيمين قام كل من الشهيدين العربي بن المهيدي ومصطفى بن بولعيد، الأول في اتجاه المغرب الأقصى والثاني في اتجاه ليبيا عن طريق تونس، بمحاولة لربط الاتصال بمندوبية الخارج. لكن المحاولتين لم تأتيا بثمار يذكر إذ عاد ابن بولعيد إلى سجن الكدية كما هو معروف.
كل هذه الصعوبات والمشاكل غير المتوقعة لم تمنع المجاهدين من خوض كثير من المعارك الناجحة ضد القوات الاستعمارية المسلحة، كماتم تمنع أعداداً كبيراً من الخونة والعملاء من نيل الجزاء الذي يستحقونه.
إن الدارس لا يستطيع في صفحات قليلة أو حتى في مجلد، أن يتعرض بجد لكل العمليات العسكرية والحملات التأديبية والكمائن القاتلة التي قام بها أو أقامها جيش التحرير الوطني خلال تلك الأشهر الأولى من الثورة.
ولكن كانت الثورة قد حققت كثيراً من التقدم، وأحرزت على العديد من الانتصارات في المجالين السياسي والعسكري، فإن مشاكل التسليح ستظل مطروحة بحدة إلى نهاية عام ١٩٥٥. وإن هذا النقص في التسليح هو الذي سيسمح للسلطات الاستعمارية بأن تجمع قواها وتوظف إمكانات حربية هائلة لقمع المناطق الثائرة.