للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسببين أساسيين في نظرنا هما:

أ - إن قادة جبهة التحرير الوطني الذين كانوا يدافعون عن فكرة منح

المناصب القيادية للإطارات السامية الآتية من التشكيلات السياسية الأخرى دون احترام التدرج النظامي الذي تخضع له إطارات الثورة منذ ليلة الفاتح من نوفمبر، إنما كانوا يرمون، من خلال ذلك إلى ترغيب الإطارات السامية المذكورة وجعلها تسارع إلى الالتحاق بالصف، معتقدين أن بقاءهم خارج إطار جبهة التحرير الوطني قد يشجع الاستعمار على استعمالهم لخلق قوة ثالثة للضغط بها عند الحاجة (١) لقد كان هذا الإجراء ممكناً لكنه لم يكن أكيداً. لكن الذي لاشك فيه هو أن المشكل الإيديولوجي لم يطرح على المسؤولين الجدد الذين سيظلون محتفظين بقناعاتهم الفكرية والثقافية إلى غاية وقف إطلاق النار.

ب- إن الإطارات القيادية التي جاءت من التشكيلات السياسية الأخرى لم تكن قادرة، في ذلك الوقت، على المبادرة لطرح المشكل الإيديولوجي لأنها، في معظمها، إنما التحقت حتى لا يفوتها الركب من جهة، ولأنها أصبحت خائفة من الموت الذي بدأ يطرق باب الشخصيات المترددة (٢) من جهة ثانية.

هكذا، إذن، فإن خوف البعض من الموت ومن فوات الأوان، وخوف البعض الآخر من ظهور القوة الثالثة خاصة بعد المحاولات التي قام بها سوستيل على أصعدة مختلفة هو الذي لم يسمح بتسوية المشكل الإيديولوجي من البداية. وبقاؤه معلقاً على النحو الذي كان عليه هو الذي سيسهل تفجير الوضع السياسي في الجزائر مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية.

قد يقال: لكن الأزمة السياسية التي أخرجت قطار الثورة من سكتة كانت كل أطرافها متشبعة بإيديولوجية واحدة، لأن رئيس الحكومة المؤقتة، يومها، أغلبية وزرائه ورئيس أركان جيش التحرير الوطني وكل قادة الولايات في داخل الوطن وكذلك مسؤولي اتحادية جبهة التحرير الوطني في فرنسا كلهم كانوا، قبل اندلاع الثورة، مناضلين في صفوف حركة الانتصار للحريات


(١) يذكر السيد مصطفى بن عودة أن الشهيد عبان قال له: إن الانحراف الإيديولوجي أفسح من المجال لفرحات عباس إلى باوداي جزائري انظر شريط الفيديو الخاص بندوة قسنطينة حول كتابة تاريخ الثورة المنعقدة يومي ٣٠ و٣١ جانفي سنة ١٩٨٥، وهو موجود ضمن محفوظاتي الخاصة.
(٢) نذكر على سبيل المثال إعدام علاوة عباس ومحاولة التنفيذ في بعض الشخصيات التي ماتزال على قيد الحياة والتي تابت فيما بعد والتحقت بصفوف جبهة التحرير الوطني.

<<  <  ج: ص:  >  >>