الحدث التاريخي يلد الحدث التاريخي، ولا يمكن للدارس الجاد أن يحيط بأي حدث تاريخي مالم يهتد إلى الحدث أو الأحداث التي كانت في أساسه والتي انطلقت منها بوادره. إن الحدث التاريخي المعزول عن غيره لا وجود له في تاريخ الإنسانية جمعاء. ومن هذا المنطلق سوف نحاول من خلال هذه الدراسة، إيجاد الخيط الرابط بين مختلف المحطات التاريخية التي ساعدت على تطوير الحركة الوطنية الجزائرية خاصة في الأربعينات من هذا القرن، ومباشرة قبل اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر سنة ١٩٥٤.
إن أبرز حدث تاريخي يجب الرجوع إليه لفهم هذه الفترة وما عرفته من تحركات سياسية إنما يتمثل في إنزال الحلفاء قواتهم على الساحل الجزائري ابتداء من الثامن من نوفمبر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة وألف.
إن ذلك الحدث قد حتم على قادة الساحة السياسية الوطنية الجزائرية الإسراع في التلاقي من أجل التشاور حول ما ينبغي القيام به لحماية الشعب الجزائري وتمكينه من تقرير مصيره بنفسه واسترجاع سيادته التي كانت قد اغتصبت سنة ١٨٣٠.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي أوجدتها الحرب الإمبريالية الثانية (١) التي لم يكن من شأنها المساعدة على تسهيل الاتصالات بين أولئك القادة الذين كان منهم من يعيش في الإقامة الجبرية (٢) ومنهم من كان متخفياً ويعيش حياة سرية (٣) في حين كان بعضهم يتحايل للبقاء طليقاً (٤) ليكون همزة الوصل التي لا بد منها لتبادل الأراء والأفكار ولمحاولة إيجاد الأرضية الملائمة لتوحيد الجهود النضالية وتقريب وجهات النظر حول كيفية التصدي للغزو الأجنبي بجميع أنواعه؛ على الرغم من تلك الظروف الاستثنائية، وفي واقع الأمر، فإن الطاقات الفكرية الوطنية قد وجدت طريقها إلى صياغة ما سوف يصطلح على تعريفه ببيان الشعب الجزائري الذي، رغم توقيعه فقط من طرف مجموعة من المنتخبين الجزائريين، فقد كان تعبيراً عاماً عن كثير من المواقف السياسية والإيديولوجية والفكرية التي كانت حتى ذلك التاريخ حكراً على مناضلي الحركة المصالية في الجزائر.
لقد جاء البيان تقييماً موضوعياً لمختلف المراحل التي قطعها الاستعمار الفرنسي في الجزائر والتي جعلت غلاة الغزاة يقولون "لقد سيطرنا على البلاد
بالقوة، لأن الاحتلال لا يكون إلا كذلك، وهو يستلزم غالبين ومغلوبين، وعندما