لا يجد بداً من الاعتراف بأنها في معظمها، مستوحاة من البرنامج السياسي الذي وضعه نجم شمال إفريقيا سنة ١٩٣٣، لأن السيد فرحات عباس لم يكن متعوداً على مجموعة المفاهيم والمصطلحات التي بني البيان على أساسها والتي كان مناضلو حزب الشعب الجزائري يحملون وحدهم لواء نشرها في أوساط الجماهير الشعبية والعمل على جعل هذه الأخيرة تتبناها عن وعي وتتجند قصد الإسهام في إدخالها حيز التنفيذ، ونذكر من جملة تلك المفاهيم والمصطلحات، "البرلمان الوطني الجزائري المنتخب بواسطة الاقتراع العام" و "إلغاء الملكية الاقطاعية بواسطة الإصلاح الزراعي الواسع" ومجانية التعليم وإجباريته بالنسبة لأبناء الجزائر"و "المواطنة والجنسية الجزائريتان".
ومهما يكن من أمر، فإن البيان قد شكل، في وقته، همزة وصل ثابتة بين طموحات مختلف التيارات السياسية الوطنية في الجزائر وكان كما قال السيد أحمد بومنجل: "تعبيراً عن مصالحة أملتها التجربة والظروف "أما السلطات الاستعمارية، في الجزائر وفرنسا على حد سواء، فإنها قد ارتاعت للحدث وساءها خاصة أن يكون كل الموقعين من غير المعروفين بميولهم الوطنية، بل كان جميعهم من المنتخبين الذين اشتهروا بموالاتهم لفرنسا وحبهم لها وإذا كان السيد بايورتون peyourthon قد استقبل السيد فرحات عباس وأبدى له استعدادات فرنسا المبدئية للتعامل مع البيان حيث التمس إجراء بعض التعديلات التي من شأنها صيانة الشرف الفرنسي، فإن الجنرال كاترو Catroux قد أدار الظهر لموقف سلفه، وعندما زاره السيدان عباس وطمزالي يوم ١١/ ٠٦/١٩٤٣ قصد تسليمه ملحق البيان الذي وقعت صياغته استجابة لرغبة الوالي العام السابق، أعلن لهما عن رفضه للوثيقتين مدعياً أن متطلبات الحرب تقتضي السكوت عن المطالب أي كان نوعها.
إن كاترو، الاشتراكي المذهب (٧)، لم يتمكن من تجاوز عواطفه الوطنية للاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، بل إنه فضل نكث عهد الحاكم العام المستقيل وراح يضاعف المساعي الرامية إلى إيجاد الشروط اللازمة لتمكين بعض آلاف الجزائريين من المواطنة الفرنسية ولمحاربة بعض أنواع العسف والاستبداد المسلطة على أبناء المستعمرة. لكن فرحات عباس لم ينخدع لتلك الإجراءات الصبيانية، واستطاع تعبئة الأغلبية الساحقة من المنتخبين الجزائريين الذين رفضوا معه المشاركة في اجتماعات المندوبيات المالية ثم وجهوا نداء إلى الجنرالين ديغول وكاترو ويؤكدون، من خلاله، التزامهم المطلق بما ورد في البيان وفي ملحقه.