للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن اتخاد هذا القرار يرجع في أساسه إلى تأثر بعض أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ (١) بأدبيات كل من ماوتسي تونغ وتروتسكي، لكنه لم يأخذ في الاعتبار الواقع الجزائري الذي كان، يوماً، يختلف كلية عن الواقع الصيني أو الهند الصينية إذ، رغم الانتصارات العديدة التي أحرزها جيش التحرير الوطني، ورغم سيطرته، ليلاً خاصة على مناطق عديدة، ورغم المساندة الشعبية التي كان يحظى بها، فإن جبهة التحرير الوطني لم تتمكن، إلى غاية ذلك التاريخ، من تحرير مناطق يمكن الاحتفاظ بها لتكوين منطلقات لوحدات أكبر من الفيالق (٢)، لأجل ذلك، فإن القرار ظل حبراً على ورق سوف لن تتزود الثورة الجزائرية بفرقتها العسكرية المتخصصة ولن تفرض على فرنسا ديان بيان فو ثانية.

وفي إطار نفس التوجه الخاص بالعمل من أجل تجاوز مفهوم الولايات، قرّر المجلس الوطني للثورة الجزائرية ضرورة الإسراع بإنشاء قيادة موحدة لجيش التحرير الوطني، لكن تنفيذ هذا القرار تعثر في بداية الأمر نتيجة الصراع الذي صاحب خروج لجنة التنسيق والتنفيذ من الجزائر والذي قام في أساسه بين السيدين بلقاسم كريم وعبان رمضان (٣). وبعد التخلص من هذا الأخير (٤) ظهرت إلى الوجود، في شهر أفريل سنة ثمان وخمسين وتسعمائة وألف، لجنة التنظيم العسكري مقسمة إلى فرعين لكن بدون رأس موحد في


(١) تجدر الإشارة خاصة إلى السيدين لخضر بن طوبال المدعو: سي عبد الله، وعبد الحفيظ بو الصوف المدعو: سي مبروك، وقد كان كل منهما عقيداً مسؤولاً عن ولاية قبل أن يعين عضواً بلجنة التنسيق والتنفيذ.
(٢) لقد كانت هنااك مناطق محررة بالفعل، لكن جيش التحرير الوطني لم يكن قادراً على الاحتفاظ بها خاصة عندما يجند العدو إمكانياته البرية والجوية.
(٣) هناك أقاويل كثيرة حول علاقات الرجلين اللذين يعتبران القدامى في صفوف حزب الشعب الجزائري. لكن بثقافة عبان رمضان كان سيتصغر كريم ويرى أنه أقل بكثير من المسؤولية المسندة إليه أما كريم فإنه كان معجباً بثقافة عبان وتكوينه السياسي. لكن إعجابه لم يمنعه من الاستكاء من الأصدقاء المشتركين، وقد وظف عبان انبهار كريم أمام شخصيته القوية لمحاولة السيطرة على كافة أجهزة الثورة، وظل كريم، المدرك لذلك، يتحين الفرص للتخلص من نفوذ عبان وقد تحقق له ذلك في شهر ديسمبر سنة ١٩٥٧.
(٤) إن الثابت اليوم أن بلقاسم كريم ولخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بو الصوف كانوا مجمعين على ضرورة إعدام عبان رمضان قصد التخلص من هيمنته الفكرية. لكن الحقيقة حول تنفيذ الإعدام سوف تظل مغيبة لأن الباءات الثلاث قرروا ذلك ولأن اثنين منهما قد انتقلا إلى رحمة الله ولم يبوحا بشيء من التفاصيل. يبقى فقط من المعلوم أنه اغتيل بالمغرب في شهر ديسمبر سنة ١٩٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>