سرياً انعقد بتاريخ ١٦/ ١١/١٩٥٨ ويشارك فيه عدد كبير من إطارات الثورة العسكرية والسياسية من أجل إطاحة الحكومة المؤقتة وإعادة تأهيل المجلس الوطني للثورة الجزائرية وتطهيره من العناصر التي دبرت الانقلاب أو شاركت فيه من قريب أو بعيد، وكان من الممكن أن تنجح المبادرة لو لم يتفطن. الباءات الثلاث إلى اللجوء إلى السلطات التونسية وإلى الضباط الجزائريين القادمين من الجيش الاستعماري عبر ألمانيا وإيطاليا.
أما الحكومة التونسية فقد أوهموها بأن قادة الداخل إذ يدعون إلى الالتزام بنداء أول نوفمبر، فإنهم يهدفون إلى جر تونس والمغرب الأقصى إلى إعلان الحرب على فرنسا وعدم القبول بإيقافها إلا عندما يسترجع شمال إفريقيا سيادته التي تكون منطلقاً لوحدته في إطار المبادئ العربية الإسلامية. وأحيط الرئيس بورقيبة علماً بأن أنصار صالح بن يوسف وراء الاجتماع المنعقد بالكاف، وأن إطارات سامية من بينهم متواجدة بالقاعة. وأما الضباط الجزائريون القادمون من الجيش الفرنسي (١) فقد أقنعوهم بأن الحركة تستهدفهم لأن ضباط جيش التحرير
الوطني يرفضون تواجدهم على الحدود الجزائرية التونسية ويعتبرونهم عيوناً تعمل لفائدة الجيش الاستعماري.
بعض هؤلاء الضباط اشتغل في صفوف الجيش الفرنسي ضد جيش التحرير الوطني داخل الجزائر في السنوات الأولى للثورة، وبعضهم ظل في فرنسا أو في ألمانيا داخل الثكنات، وقد التحقوا بالحدود الجزائرية الشرقية والغربية عن طريق اتحادية جبهة التحرير الوطني بأوربا في فترات متتالية ابتداءاً من سنة ١٩٥٧. وكان يمكن أن يشكلوا دعماً كبيراً لقدرة الولايات العسكرية لكنهم لم يدخلوا إلى التراب الوطني سوى بعد وقف إطلاق النار، الأمر الذي جعل أبناء جيش التحرير الوطني يستاؤون ويطالبون بتسريحهم غير أن العقيد هواري بومدين كان متمسكاً بهم، وبدأ الصراع بين الطرفين محتداً خاصة ابتداءً من المؤتمر التأسيسي لحزب جبهة التحرير الوطني المنعقد في الفترة ما بين ١٦ و ٢١ أفريل سنة ١٩٦٤. وتجدر الإشارة إلى أن دعم بو مدين لهم قد مكنهم بالتدريج من السيطرة على الجيش. ويعتبر العقيد الشاب محمد
(١) هؤلاء الضباط من الجزائريين الذين ينتمون إلى عائلات كانت تحظى بمكانة مرموقة لدى سلطات الاستعمار نتيجة خدماتها في شتى المجالات. وقد تم اختيارهم صغاراً ثم أرسلوا إلى ما يسمى بمدرسة "أبناء الجيش" قصد مواصلة الدراسة العامة وتلقي المبادئ الأولى للفنون العسكرية. وعندما بلغوا سن الرشد حولوا إلى المدارس العسكرية فتخرجوا منها برتبة مرشح أو ملازم.