التحرير الوطني من فرسان القلم المسلم لها، في ذلك الوقت، بالقدرة الفائقة على ممارسة الكتابة باللغة الفرنسية، والمعروفين بكونهم الدماغ المفكر والمسؤول عملياً عن إعلام الثورة. وإذا كان جمهور المناضلين لا يعرفون عنهم سوى صفة الجهاد التي اكتسبوها بفضل مواقعهم في دواليب الثورة وبواسطة بعض السلوكات الفردية، فإن معظم المسؤولين السامين لم يكونوا يجهلون النزعة اليسارية والميولات الماركسية بالنسبة لأغلبيتهم، وكان من المفروض أن تكون هناك يقظة في إنشغال المؤتمرين بتسوية المشاكل الميدانية التي كانت تهدد الثورة بالإنفجار.
ومما لا شك فيه أن تلك الغفلة أو تلك الثقة التي لم تكن في محلها قد أدت إلى تجسيد واحد من الإنحرافات الخطيرة التي ستكون أساساً للإنزلاقات التي سوف تقود بالتدريج إلى الخروج نهائياً عن الخط الأيديولوجي الذي سطرته جبهة التحرير الوطني ليلة الفاتح من نوفمبر.
٢ - إن الوثيقة، قد أهملت، في عرضها للمبادئ الأساسية، التوقيف عند إبعاد الثورة المغربية والعربية والإسلامية طبقاً لما جاء في بيان أول نوفمبر، ومن أجل تجاوز النقص الذي تضمنته في المجال، وثيقة وادي الصومام والذي نددت به مجموعة كبيرة من أعضاء القيادة في مقدمتهم الرئيس أحمد بن بلة.
هنا، أيضاً، نلحظ لمسات عمر أو صديق وفرانتز ومحمد الصديق بن يحيى الذين يرون أن مستقبل الجزائر لن يكون زاهراً في دائرة العروبة والإسلام التي تمثل، في نظرهم، بؤرة الرجعية والعصور المظلمة، وحتى المغرب العربي الذي ظل مركزاً إهتمامات الرواد من المناضلين، فإنه لا يؤمنون به إلا عندما نجرده من صفة العروبة ونحصره في إطار شمال إفريقيا الذي يربط بين أقطاره قاسم اللغة الفرنسية والثقافة الغربية اللتين أعتمد عليهما الاستعمار لتأييد حالة الإنسلاخ عن الذات الضرورية لديمومته.
٣ - إن التطهير السياسي، في منظور جبهة التحرير الوطني، يعني إعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي بواسطة القضاء على مخلفات الفساد وروح الإصلاح التي تتناقض مع الروح الثورية وبواسطة إلغاء الروح