للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها نهائياً. وسوف لن ترى مانعاً في أن يقرر السكان الجزائريون إقامة دولة تتولى تسيير شؤون بلادهم (١).

لقد كان الجنرال ديغول، قبل هذا التاريخ، يراهن على إمكانية إخماد صوت الثورة بواسطة العمل العسكري حتى يعيد للجيش الفرنسي إعتباره بعد الهزيمة المنكرة التي لحقت به في ديان بيان فو، ولذلك رأيناه يختار الجنرال شال قائداً أعلى للقوات المسلحة ويأتي إلى الجزائر بأكبر عدد ممكن من الجنود تحت قيادة أفضل ما لفرنسا من ضباط سامين. ولتسهيل مهمة الجيش عمل جبهتين سياسيتين لإضعاف جبهة التحرير الوطني وليجعلها تنشغل بموضوعات أخرى غير التي تستلزمها المعركة. فمن جهة، جند كل أنواع المخابرات الفرنسية والمصالح السيكلوجية من أجل التوصل إلى زرع الشقاق في الأوساط القيادية للثورة وزعزعت الثقة السائدة على جميع المستويات. ومن جهة ثانية لم يترك محاولة واحدة دون إستعمالها لإيجاد قوة ثالثة بواسطة تشجيع الحركة الوطنية الجزائرية التي يتزعمها مصالي الحاج أو عن طريق دفع المنتخبين الجزائريين وبعض الشخصيات البارزة إلى تشكيل هيئات يمكن اللجوء إليها لأحكام الضغط على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

كل هذه المساعي التي قام بها الجنرال ديغول مدة ثلاثين شهراً لم تحقق له ماكان ينتظر من نتائج، بل جعلته يلمس بنفسه أن الإنتصار مستحيل وأن مواصلة الحرب مستحيلة إلى مالا نهاية ستعرض الجيش الفرنسي إلى الإنقسام والوحدة الوطنية إلى الزوال كما أكد بنفسه في مذكراته (٢). وعليه، وخدمة لفرنسا، قرر الإلتفات إلى جهبة التحرير الوطني من أجل التفاوض الجدي وراح يبحث عن مبررات موقفه الجديد، وليلبسه الثوب الذي لا يشين سمعة الجنرال وسمعة فرنسا معاً.

وكانت أول خطوة في الطريق الجديد هي إستفتاء الشعب الفرنسي حول موافقته أو عدم موافقته على تمكين الجزائريين من تقرير مصيرهم، ولم يكن ذلك في الحقيقة سوى تمثيل لأن الإعلان عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بنفسه قد تم باسم فرنسا في اليوم السادس عشر من شهر سبتمبر سنة تسع وخمسين وتسعمائة وألف. ويومها أعطى الجنرال ديغول شرحاً وافياً لمعنى تقرير المصير إذ قال: إن الجزائريين بممارستهم لهذا الحق سيفضلون فيما إذا


(١) نفس المصدر، ص: ١١٠.
(٢) مذكرات الجنرال، ص: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>