للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإغراءات والاعتراف بالجهد المبذول إلى غير ذلك من الحجج التي في ظاهرها العفوية والنية الصادقة وفي باطنها يمكن التخطيط للتخلص من جميع الضباط المتشبعين بأيديولوجية الثورة حتى ينفرد بالسلطة المكونون في صفوف الجيش التي تتناقص تماماً مع الأهداف المسطورة الأساسية للثورة.

وإلى جانب القوة المحلية عمل بعض الضباط الساميون في الجيش الفرنسي، بالتعاون مع قيادة منظمة الجيش السري، على تشجيع عدد من الضباط الجزائريين العاملين في الجيش الاستعماري على التمرد بجنودهم وتكوين جيوش مستقلة من أجل محاربة جيش التحرير الوطني وإشعال نار الحرب الأهلية في الجزائر. وعلى سبيل المثال، تجدر الإشارة إلى حركة العقيد سي الشريف على رأس حوالي ألف مقاتل بناحية عين بوسيف الكائنة في ولاية المدية (١) وحركة عبد الله المصالي على رأس ثمانمائة مقاتل بناحية بوسعادة الكائنة في ولاية المسيلة (٢).

٣) -ازدواجية اللغة في التعليم والإدارة والقضاء فصل الجزائر عن عروبته وإبقائها في دائرة الفرانكفونية التي هي مذهب سياسي يرمي إلى نشر الفكر الاستعماري في البلدان التي لها استعداد طبيعي لقبول التبعية بجميع أنواعها، ومما شك فيه أن نشر الفكر الاستعماري في حد ذاته، وسيلة لقولبة الذهنيات طبقاً لمتطلبات الاستعمار الجديد من جهة ولتعميم أنماط الحياة المؤدية إلى سلخ المجتمع عن أصالته وربطه بظروف الحياة السائدة في فرنسا التي هي مصدر ذلك الفكر من جهة ثانية.

إن هذه المهمة التي تبدو ثقافية في ظاهرها، أخطر بكثير من العمل العسكري الذي يهدف إلى فرض الاستعمار الاستيطاني. ولقد كانت فرنسا تدرك هذه الحقيقة وأبعادها، وتعرف أيضاً أن اللغة لايمكن أن تكون محايدة كما أنها لايمكن أن تكون مجرد وسيلة تبليغ، بل إنها وعاء حضاري وثقافي وعنصر أساسي من مقومات الشخصية بالإضافة إلى كونها أداة فعالة لاكتساب المعرفة ولصياغة نمط الحياة المميز للفرد والمجتمع على حد سواء.

ففي هذا السياق عملت اتفاقيات إيفيان على تكريس اللغة الفرنسية ضرة للغة العربية تحجبها عن الظهور متى شاءت، وتمنعها من التطور الحقيقي الذي


(١) كانت هذه الولاية الإدارية للولاية الرابعة. وتقع المدية على بعد حوالي سبعين كلم جنوبي العاصمة.
(٢) تقع مدينة بوسعادة على بعد مئتين وخمسين كلم جنوبي شرقي العاصمة، وفي أثناء الثورة تابعة للولاية السادسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>